رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

لخبطة الوجدان العام

قسم : مقالات
الأحد, 31 أكتوبر 2021 21:03

اللخبطة حالة ارتباك، تضع وجدان الإنسان فى خانة «الميكس»، ليشتمل على الشىء وعكسه. والوجدان ببساطة هو تعبير عن اتجاهات الإنسان نحو الأشخاص والأحداث والأفكار التى تتفاعل فى الواقع المحيط به، ويقع الوجدان فى بئر اللخبطة فى الحالات التى تتناقض فيها الأفكار أو المعطيات المعلوماتية حول القضية الواحدة أو الشىء الواحد. انظر على سبيل المثال إلى موضوع «العلاقات الزوجية» وستجد أن الجمهور يسمع إحصاءات رسمية تقول إن عدد حالات الطلاق فى مصر تزيد عند الانتقال من عام إلى عام، وتقل فى المقابل معدلات الزواج، لأن شباب اليوم لا يمنح الزواج الأهمية التى كانت تحظى بها هذه المؤسسة لدى الأجيال السابقة، أضف إلى ذلك تعقد متطلبات وتكاليف هذه الخطوة بصورة أصبحت تسد نفس الشباب عن الإقدام عليها.

المضحك فى الأمر أن المجتمع بدلاً من أن ييسر ويسهل الأمور فى مسألة الزواج تجده يعقدها بفتاوى دينية أو اجتماعية شاذة، آخرها ما ردده أحدهم مؤخراً حول ضرورة أن يحصل المقبلون والمقبلات على الزواج على شهادة اجتياز دورة توعوية حول طبيعة العلاقات الزوجية وما يحكمها من قيم. المتحدث الواحد يمكن أن تجده يتبنى وجهة نظر مدافعة عن الزوجة فى مقام، ثم يغرد بوجهة النظر النقيضة المحتفية بالزوج فى موقف آخر. الأصل فى هذا التناقض هو أن المتحدث يأخذ فى الاعتبار ظروف الوقت أو معايير الرضا أو الغضب التى تحكم الجمهور بهدف ركوب التريند. الرغبة فى ركوب التريند ومغازلة الجمهور وشغل الوجدان بما هو شاذ ومثير للارتباك واللخبطة تدفع إلى التناقض، وترديد الأفكار المتعاكسة، وإثارة فقاقيع صابون فكرية سرعان ما تنفثئ.

هل تذكرون موضوع الأم السنجل الذى سطع فى سماء واقعنا الملخبط عام 2017؟ أيامها خرجت إحدى الفتيات بجرأة تحسد عليها، وأعلنت أنها حملت بطفل خارج نطاق الزواج التقليدى، من خلال زيجة عرفية ربطتها بأحد الشباب، وحكت بالتفصيل الأسباب التى ساقتها إلى التجربة، والمتمثلة فى مشكلات أسرية متنوعة دفعتها إلى الاستقلال عن الأسرة والارتباط بالشخص الذى تزوجت منه. الجرأة التى أعلنت بها الفتاة الخبر تمنحك مؤشراً عن ملامح الحاضر وما يشهده من تحولات فى العديد من قيم وثوابت الثقافة الاجتماعية، ومؤشراً أخطر عن المستقبل الذى يمكث بعيداً فى انتظار هذا المجتمع.

هل تذكرون أيضاً حين خرجت إحدى الواعظات تقول: يجوز للخطيب رؤية شعر وذراعى خطيبته وأن تكشف له عن ساقيها حتى يراهما». وفى رواية أخرى للداعية نفسها: «لا يجوز للخطيب أن يقول لخطيبته (بحبك) فى التليفون». إنه الخضوع للتريند وما يقترن به من رغبة فى لخبطة الوجدان العام عبر الترويج لأقوال كثيرة متناقضة ودفعها إلى التسكع عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى. أقوال تحمل المعنى ونقيضه، ما يجعلها مادة جيدة للسخرية والتريقة، والأخذ والرد، والقيل والقال. ظنى أن أصحاب هذا التوجه من شباب وفتيات، وشيوخ وعجائز، يغردون فى كوكب آخر، لأنه مهما طال الأمد بما هو «افتراضى» فإن الواقع الحقيقى قادر على دهسه فى لحظة.

 

Rochen Web Hosting