رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

السباحة ضد التيار

قسم : مقالات
الجمعة, 25 فبراير 2022 10:37

إذا كان التيار السياسى يجرفنا بعيدًا عما نأمل فيه ونتمناه ونستحقه فإن السباحة ضده تصبح ضرورية، شرط أن تكون فى النور، ووفق قواعد اللعبة التى تعارفت عليها الجماعة الوطنية، واتفقت إرادتها الحرة، واستقر يقينها، وانعقد عزمها، وارتاح ضميرها، واطمأنت إلى كل ما فيه الخير والسكينة، وتكون بالطبع سلمية علنية، ولصالح المصريين وليست عليهم.

 

 

هذا النوع من السباحة ليس هواية أبدًا، إنما واجب، بل هو بطولة ونبل، تبتعد بالسابحين عن الانجراف مع سيل عرمرم، قد يعمّ ويطمّ ويأخذنا جميعًا إلى ما لا تُحمد عقباه.

 

 

وتزداد هذه الضرورة مع وجود مَن يعتقد وهمًا أو زيفًا فى أن الكل يجب أن يخضع لجريان هذا التيار، ويعتقد طيلة الوقت فى أنه يسيل ويتقدم فى الطريق الصائب السليم، وليس له أن يتوقف ولو لبرهة واحدة ليسأل نفسه: هل هو ماء طيب جارٍ مستساغ يسقى الزرع والضرع أم أنه أشبه بطوفان يجرف كل شىء بلا روِيّة ولا تمهل ولا تدبر؟

 

 

يُقال دومًا عمَّن يعارض فى بلادنا إنه يسبح ضد التيار، وقائلو ذلك يفترضون، وهمًا من عند أنفسهم، أن الكل معهم بالضرورة، أو أن مَن هو معهم ليس من حقه أن ينصرف عنهم أو يتمهل قليلًا ويتوقف عن الجريان فى ركابهم. كما أنهم يعتقدون، كذبًا، أن ركبهم يسير طيلة الوقت، وفى كل المواقف والقضايا والقرارات، على الدرب النافع. وينسى هؤلاء بالطبع أن اختلاف الناس من السنن الحياتية التى لاشك فيها، وأن كل محاولة لإنهاء هذه التعددية لا محالة بائرة.

 

 

فى المجتمعات الحية السليمة الصحية لا يوجد تيار واحد، إنما تيارات متوازية تتقدم إلى الأمام، متفقة فى الغاية، ومختلفة فى الوسائل. وفى هذه المجتمعات يمثل المختلفون نهيرات صغيرة تصب فى النهر الكبير، لكنها تحافظ على استقلالها فى السير والجريان، بما يضبط إيقاع التيار ومدى سيره ومساره، ويجعل ماءه يسقى النسل والحرث، ولا يتحول إلى فيضان مدمر، أو طوفان مُهْلِك، أو ينحرف نحو المستنقعات.

 

 

(2)

 

 

«الكلاب تنبح والقافلة تسير».. مَثَل يطلقه مَن يحاول أن يُظهر عدم اهتمامه بالنقد أو ليبرر موقفه أمام نفسه أو ليغيظ منتقديه. لكن كل هذا يتهاوى ويذوب لو كانت القافلة تحمل ما نهبه اللصوص أو شيئًا من الممنوعات، فعندها يصبح نباح الكلاب واجبًا وضرورة أخلاقية ووطنية، الالتزام بها شرف.

 

 

(3)

 

 

البذاءة لا تنصر حقًا، ولا تهدم باطلًا، وصاحب الحق إن فحش فى القول جرح حقه، وإن استمر فى هذا فقد يُميته، وصاحب الباطل إن كان عفّ اللسان، فقد يربك صاحب الحق، ومَن يحكم لصالحه. والأَوْلَى بالمحق أن يكون طليقًا خلوقًا فى الدفاع عما له، وألّا يعطى خصمه فرصة لهزيمته ولو بحسن البيان وعفته.

 

 

(4)

 

 

أى مشروع سياسى أو توسع عسكرى لا يقوم على أكتاف فكرة قوية محكوم عليه بالفشل والنسيان. فى كتابه «قادة الفكر» يضم طه حسين الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر إلى هؤلاء القادة لأنه يرى أنهما أسهما فى نشر الفكر الفلسفى والسياسى اليونانى والرومانى فى الشرق والغرب، وكان لهما تصور عميق فى هذا.

 

 

(5)

 

 

‏اقترح «رأفت الهجان» على ضابط المخابرات المصرية، الذى يوجهه، أن يجند كاتبة إسرائيلية تعارض بشدة سياسات حكومتها، كى تعمل لحساب مصر، فنهره الضابط وقال له: هذه تحب بلدها، ولهذا تنتقد الأوضاع بحثًا عن الأفضل، أما الصيد السهل بالنسبة لنا فمن بين المنافقين، لأن هؤلاء مخلصون لأنفسهم فقط.

 

 

(6)

 

 

«دهر كامل من أخطاء الديمقراطية لا يوازى أخطاء ساعة واحدة من الديكتاتورية». هكذا قال الرئيس السادات بعد هدمه السجون، وإعلانه تغيير نظرة السلطة إلى الحريات العامة. لكنه لم يلبث أن تحدث عن «أنياب الديمقراطية» وعاد سريعًا إلى استبداد فى ثوب «رب العائلة». فعلًا، الديمقراطية لا تُوهَب، بل تُنتزع، وهى بنيان راسخ، وليس مجرد طلقة صوت فارغة.

 

 

(7)

 

 

فى كثير من الحوادث والجرائم أقول: علينا ألّا نحكم بما تكتبه الصحف لأنها تنشغل بلحظة القتل أو السرقة، باعتبارها ذروة لزمن طويل من الممارسات التى أدت إليهما. لكن جريمة ضرب عريس لعروسه، وهى جريمة فى نظرى، لا تحتاج إلى بحث خلفيات لأن ما فعله الأول عمل مُقزِّز وفاضح، ومثله هو عمل الذين يدافعون عنه، أو يلتمسون له عذرًا.

 

 

(8)

 

 

التقيت شابًا، كان من بين أجانب يدرسون العربية، ألقيت فيهم محاضرة عن روايتى «بيت السنارى»، هو يُجيد الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية، حدّثنى عن قوة العربية، وضربنا مثلًا بتدرجها الوقتى بما لا مثيل له: شروق، صبح، ضحى، ظهر، عصر، أصيل، مغرب، غَسَق، عشى، هزيع أول، هزيع أخير، سَحَر، فجر.

 

 

(9)

 

 

لم يكتفوا ببيع «نيجاتيف» الأفلام المصرية إلى شركة أجنبية قبل سنين، ولم يقتصر الأمر على نزع الفن عن الأفلام والدراما من خلال الاحتكار، بل امتد إلى تشويه الأفلام ذاتها. كنت أشاهد فيلم «عمارة يعقوبيان» على قناة تسمى «سينما على بابا»، فرأيته منقوصًا مشوهًا، إلى درجة جعلته فيلمًا بائسًا.

Rochen Web Hosting