رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

مفاجأة بوتين

قسم : مقالات
الجمعة, 25 فبراير 2022 10:38

وهكذا خالف بوتين كل التوقعات والحسابات والنصائح والتهديدات، وقرر بدء الحرب فى أوكرانيا. حتى اللحظة الأخيرة كانت الأغلبية تتوقع أنه لن تقوم حرب ولن تقع روسيا فى الفخ. ظل هكذا الوضع حتى أيام قليلة عندما اعترفت روسيا بالمنطقتين الانفصاليتين عن أوكرانيا كجمهوريتين مستقلتين. كانت هذه هى البداية فى تغيير القواعد المتوقعة. وتحول عدد من الواثقين فى عدم وقوع حرب إلى صفوف مَن يتمنى عدم اندلاع حرب. ظل الإصرار على هذا التوقع منطلقًا من إدراك أن هذا هو الحل العاقل، وأن منطق الحروب قد بات منطقًا متراجعًا فى عالم اليوم. وظن أصحاب هذا التوقع أنهم يمثلون العقلاء، ذلك أن تكلفة اندلاع حرب فى أوروبا أكبر من أن تتحملها أطراف الحرب، بل ستمتد آثارها إلى الجميع. هذا إن لم تمتد لتكون حربًا عالمية أو نووية. ساعتها سيدفع كل العالم ثمنًا باهظًا.

 

رغم كل هذا، فإن بوتين قرر ألّا يكون جزءًا من هذا العقل ودخل الحرب. رغم ما بدا فى مرحلة معينة من أن هناك رغبة أمريكية فى توريط روسيا بغزو أوكرانيا، فإن كثيرين لم يأخذوا ذلك مأخذ الجد.

على ماذا راهن بوتين؟ ولماذا خالف كل التوقعات، بل كل حسابات المنطق؟ الإجابة السريعة عن هذا السؤال يمكن أن تتضمن عنصرين. الأول هو الهدف القومى والشخصى لديه ولدى كل روسى قومى، وهو استعادة الإحساس بالكرامة والقوة الروسية. وهذا فى حد ذاته دافع يعطيه حماية داخلية وشعورًا متزايدًا بالقوة. والثانى هو الرهان على عدم قدرة الأطراف الأوروبية وأمريكا على التوصل إلى موقف موحد ضد روسيا. هذا الشقاق فى الموقف الغربى عنصر قوة إضافى لروسيا.

لا يوجد توافق كامل بين الأطراف الغربية حول كيفية التعامل مع روسيا. أوروبا- التى يصل اعتمادها على الغاز الروسى إلى نسبة تفوق فى مجملها أكثر من ٤٠٪- ظلت تنظر بقلق بالغ إلى التصعيد الأمريكى، واعتبرته بعض الأطراف مُبالَغًا فيه مع روسيا، وأدى فى النهاية إلى نشوب صراع عسكرى يمكن أن يعصف بالأمن الأوروبى كله.

فيما يبدو حتى الآن، فإن رد الفعل المتوقع سيقتصر على فرض عقوبات على روسيا، ومهما كان تأثيرها إلا أنها، أى روسيا، هى الأخرى تمتلك الكثير من وسائل الضغط، التى يمكن أن تُلحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد فى دول الاتحاد الأوروبى الرئيسية، وهى تلك التى تتراوح معدلات اعتمادها على الغاز الروسى بين 49٪ فى حالة ألمانيا و47٪ و19٪ بالنسبة لإيطاليا وفرنسا، فى الوقت الذى لا توجد فيه بدائل سريعة، كما تصل صادرات روسيا من البترول إلى 7.4 مليون برميل يوميًا، وتُعتبر روسيا من بين أهم الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبى، إذ تُقدر قيمة التبادل التجارى بين دول الاتحاد الأوروبى وروسيا بـ174 بليون دولار، كما بلغ رصيد الاستثمار الأجنبى المباشر الصادر من الاتحاد الأوروبى إلى روسيا 311 بليون يورو.

 

Rochen Web Hosting