رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

ثورة تكنولوجية جديدة

قسم : مقالات
الجمعة, 30 ديسمبر 2022 17:25

 قد يبدو العالم ونحن على أبواب عام جديد ٢٠٢٣ على غير ما يرام، وملامح السعادة فيه قليلة. ورغم الجهود الكثيرة واللقاحات المتعددة والأدوية المتنوعة المصدر والمدرسة الطبية فإن فزع الجائحة لا يزال قائما. الأخبار القادمة من الصين غير مطمئنة ما بين زوال الخطر إلى أنه باق فى كل الأحوال جاثم فوق الصدور. لم نصل بعد إلى منطقة المعتاد الجديد التى جرى التبشير بها فى سابق الأيام؛ والمتاح فقط هو قدرة مترددة على فتح الأبواب وخوض التجمعات ولقاء الأحباب. وفى جانب آخر فإن ليلة رأس السنة سوف تحمل معها نبوءة استمرار الحرب الأوكرانية عاما آخر، لم يعد الموضوع أياما أو أسابيع أو شهورا، وإنما مباشرة أعمال التصعيد التى يقوم بها جميع الأطراف المتورطة فى الصراع بشكل مباشر أو غير مباشرة. أحوال أخرى باقية معنا، وبات مستحيلا القول ان الإرهاب ذهب إلى غير رجعة؛ ولكن أمرا واحدا لا يتغير وهو أن التكنولوجيا فى العالم لن تتوقف عن التغيير، والخروج لنا بانقلابات كبرى تخلق واقعا جديدا لا نعرف حقا كيف نتعامل معه. ثلاث مفاجآت تكنولوجية سوف تغير العالم إذا ما قدر له البقاء بعد الكوارث الدولية هى من تلك الأمور الجذرية، فهى لا تدخل فى مجال البحوث والتطوير فى تطبيقات تكنولوجيات استنزفت مفاجأتها وثورتها الأولى وبقى من نتائجها سنويا الانتقال من طراز إلى طراز آخر. واحدة منها تدور فى مجال الطاقة، والأخرى التكاثر البشرى، والثالثة مواجهة التغيرات المناخية والاحتباس الحرارى.

الأولى ورد الذكر عنها منذ ستينيات القرن الماضى حينما كثر الحديث عن الطاقة النووية التى تقوم على ما يولده الانشطار للنواة من طاقات جبارة يمكنها أن تتحول إلى سلاح يبيد البشر كما حدث فى صورة مصغرة فى هيروشيما وناجازاكى، أو أن يعين فى إضاءة المعمور وتحريك السفن الحربية. هى طاقة تكفى العالم ونظيفة أيضا ومن ثم باتت مرشحة لكى تحل محل الطاقة الأحفورية التى بدأ استغلالها منذ القرن التاسع عشر ومهدت لقيام العالم الذى نعرفه الآن والقائم على الموتورات والمحركات التى انتجت السيارة والطائرة ومحطات إنتاج الكهرباء. وبينما كانت أخطار الأولى ناجمة عن الحوادث التى تعرض الحياة الإنسانية للخطر كما جرى فى مفاعل تشرنوبيل فى أوكرانيا الآن ولكنه وقت الحادثة كان فى معية الاتحاد السوفيتى. الحادثة الأخرى التى وقعت فى فوكوشيما اليابانية وراح ضحيتها ثلاثون ألف نسمة غير تدمير ساحل كامل دفعت كلا من اليابان وألمانيا وغيرهما من الدول إلى مقاطعة المحطات النووية. زاد اعتماد العالم على الطاقة الأحفورية بكل نتائجها وتأثيراتها السلبية على صحة الإنسان وضلوعها فى حالة الاحتباس الحرارى التى عرضت الكوكب للخطر. نتيجة البحث عن مصادر جديدة للطاقة كان العودة إلى الاندماج النووى الذى يقدر له أن يحل جميع مشكلات الطاقة النووية والأحفورية معا. وبلغ من المبالغة فى فوائدها الجمة أن قطرات قليلة من المياه إذا ما تعرضت نواة منها إلى الاندماج مع نواة أخرى فسوف يتولد قدر من الطاقة يكفى مدنا مليونية كبيرة. كيف فعلوها من خلال الاندماج أو Fusion ليس شائعا ولكن التأكيد يسير فى المسار أن هذه الطاقة باتت متاحة.

الاحتفال البشرى بهذا التطور فى مجال الطاقة الناجمة عن الاندماج النووى لم تحصل عليه بعد تكنولوجيا الرحم الصناعى، أى ذلك الذى يقوم بمهمة تكوين الجنين ورعايته بعد تكوينه من تخصيب البويضة الأنثوية بالسائل الذكورى، وبعد ذلك التعامل معها كما يتم فى إطار الصوبات الزراعية من خلال الحرارة ومكونات التغذية والتحكم فى الجينات حسب المواصفات المطلوبة من لون العيون والأجسام، فضلا عن الكثير من القدرات الخارقة. هو حلم إنتاج السوبرمان مرة أخرى ولكنه لن يأتى من الفضاء أو من قبل مخلوقات غير معروفة المصدر وإنما بات ذلك ممكنا فى المعامل. الجدارة العلمية فى الموضوع يقال إنه ليس مشكوكا فيها، ولكن تواجه التكنولوجيا معضلات أخلاقية ودينية وبالطبع سياسية واقتصادية. المزايا كثيرا ما تذكر لأن فيها مقاومة للعقم والأمراض المستعصية ويعطى الكثير من امتداد فى العمر وبصحة جيدة أيضا. الدول التى تعانى نقص النمو البشرى أو الزيادة السكانية ربما تجد فى هذه التكنولوجيا حلا للكثير مما استعصى عليها من قبل.

التكنولوجيا الثالثة ربما تولدت عن الحاجة الملحة لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحرارى خاصة أن التوافق البشرى على معالجتها يواجهها الكثير من الصعاب. ولما كانت الولايات المتحدة والصين يتحملان المسئولية العظمى عن الظاهرة، وكلاهما يرى فى الآخر غريما، فإن حل المعضلة لن يكون متاحا. الفكرة البديلة جاءت بها التكنولوجيا وقامت على ما لوحظ عن حالة الطقس عقب الانفجارات البركانية الشديدة التى سرعان ما تقف السحب المتولدة عنه فى حجب حرارة الشمس وتوليد درجة عالية من البرودة. الاستفادة من هذا الدرس أدت إلى البحث فى الكيفية التى يمكن بها خلق مظلة مكونة من جزيئات يجرى إطلاقها خارج المدار الأرضى بحيث تحجب الشمس لفترات كافية يحافظ بها أهل الأرض على درجة حرارة الكوكب بالقدر الذى يبقى حالة القطب الشمالى الثلجية دونما تحولها إلى ماء يسبب الفيضانات ويغرق الجزر الصغيرة والمدن المتاخمة للبحار، والأراضى الواطئة. الفكرة العلمية حتى الآن تبدو ممكنة، ولكنها هى الأخرى يواجهها ضرورة التوافق الدولى على السير فى طريقها وهو ما يبدو مستحيلا أيضا فى ظل الظروف الدولية المعاصرة. ربما يكون الحصول على هذا التوافق أكثر صعوبة من بقاء مشكلات الكوكب كما هى.

Rochen Web Hosting