رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

حُلم عائشة راتب

قسم : مقالات
الجمعة, 17 فبراير 2023 21:51




كنت أجلس أمامها منبهرة.. أراقب مخارج الألفاظ وهى تتحدث بالقانون وتنفعل لحقوق المرأة وتحنو لذكر الأبناء والأحفاد.. أرافق خطوتها وأكاد ألمس الظهر الذى يعاند الانحناء كبرياء.. والرأس المرفوع بعزة واعتداد بالذات.. أستمع مثل تلميذة فى محراب العلم تتلقى دروساً فى السياسة والقانون والأداء الدبلوماسى الرفيع و«الإنسانية».. إنها «الوزيرة - المعارضة»!إنها المرأة التى قالت للسادات «لا»، إلا أنه عيّنها بموجب قرار صدر بعد استقالتها من الوزارة وتحديداً فى 1979 بتعيينها سفيرة؛ لتصبح بذلك أول امرأة فى تاريخ مصر تشغل هذا المنصب الرفيع، حيث عملت سفيرة لدى الدنمارك فى الفترة من 1979 إلى 1981.. وسجلت اسمها فى حركة النضال النسوى فى الدفاع عن المرأة بشكل عام وفى الوصول لمنصة القضاء بشكل خاص، فهى أول معيدة بكلية الحقوق، وأول أستاذة للقانون الدولى، وأول سفيرة لمصر فى الخارج، وأول امرأة تتولى وزارتين مختلفتين متعاقبتين، وكانت صاحبة أول حكم قضائى برفض تعيينها فى القضاء فى حكم صدر عام 1952.. إنها الدكتورة «عائشة راتب» رحمها الله.

كنت أسجل ذكرياتها لقناة «Art» فى برنامج «أين هم الآن؟»، كانت تضحك من قلبها وهى تروى أغرب طلب طلبته من رئيس الوزراء آنذاك الدكتور «عزيز صدقى»، فقط طلبت منه إحضار «شيكولاتة» لأعضاء الوزارة التى تتأخر اجتماعاتها لوقت طويل! شغلت «عائشة» منصب وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية فى الفترة من 1974 وحتى 1977.

خلف ضحكات «الطفلة ذات الخصلات البيضاء» كانت أشهر «استقالة» قدّمها وزير فى تاريخ البلاد وأروع موقف انحياز للفقراء، فيما سُمى وقتها بانتفاضة الخبز، كان خلفها رحلة نضال طويلة وفصول متعاقبة فى القانون والحركة النسائية فى العالم العربى، حيث جاهدت من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية، كما أرست قواعد تشريعية لوزارة الشئون الاجتماعية، وكانت عضوة فى اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى العربى عام 1971، حيث ساعدت فى صياغة الدستور الجديد لمصر آنذاك، وكانت الوحيدة التى اعترضت على السلطات الاستثنائية التى منحها الدستور للرئيس السادات فى ذلك الوقت.كانت الكاميرا تتابعنا فى حرم جامعة القاهرة، «كلية الحقوق»، وفى مكتب العميد نظرت إلى الصور المعلقة على الجدار وروت لى عن تلاميذها الذين كان من بينهم الدكتور «أحمد فتحى سرور»، رئيس مجلس الشعب سابقاً.

كان لا بد لهذا الحلم أن يتحقق، فخلفه رحلة عناد وإصرار ونضال ووجع.. خلفه جهل كان لا بد أن يسقط وفتاوى رجعية كان لا بد أن ترحل عن مصرنا.. خلفه سنوات من القهر والمهانة.كان لا بد أن تنتصر المستشارة «تهانى الجبالى»، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية سابقاً، رحمها الله، التى واصلت الكد والنضال وحملت الحلم فى قلبها والمسئولية على عاتقها: إنها أول قاضية فى تاريخ البلاد، تتويجاً لنضال الحركة النسوية باسم «تهانى».. سوف يذكر تاريخ مصر أن عصابة الإخوان قد غيّرت دستور البلاد ووضعت نصاً دستورياً قلّص عدد قضاة المحكمة الدستورية من 19 إلى 11 عضواً خصيصاً لعزل المستشارة «تهانى الجبالى».. إنها المرأة التى وقفت ضد «مرسى» منذ اللحظة الأولى لتوليه رئاسة مصر، وهاجمته بشدة عقب الإعلان الدستورى فى 2012 معلنة أنه فقد شرعيته كرئيس للجمهورية.

وفى عهد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» انتصر الحلم.. دخلت المرأة القضاء وجلست فى قلب قاعة «مجلس الدولة» قبل عام.. وهذا الشهر لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى أولى عضوات النيابة العامة تمثل فى مقام الادعاء.وجاء بيان مهيب ثائر عادل يشبه تماماً بيان 30 يونيو.. يرد الحقوق لأصحابها ويعترف بالمرأة «كاملة الأهلية» مهما عاندها القانون: أسند السيد المستشار حمادة الصاوى، النائب العام، الأحد، الموافق الثانى عشر من شهر فبراير عام ٢٠٢٣م، إلى السيدة داليا محمود، وكيلة النائب العام، تمثيل النيابة العامة فى مرافعتها أمام محكمة الجنايات، باعتبارها أولى سيدات مصر وأولى عضوات النيابة العامة التى تمثّل الهيئة الاجتماعية فى مقام الادعاء للمرة الأولى فى تاريخ القضاء المصرى، تأكيداً من النائب العام لضرورة إشراك عضوات النيابة العامة فى كافة الأعمال القضائية أسوة بزملائهن الأعضاء.

أصبح الآن مطروحاً أن نناقش تقييد تعدد الزوجات، أن نتحدث فى عدم وقوع الطلاق الشفهى.. أصبح بالإمكان أن نمنح الأجيال القادمة أحلاماً مختلفة تبدأ بعبارة: وبعد أن تم تمكين المرأة من توليها القضاء فى عهد «السيسى»، (ضع أحلامك هنا).

Rochen Web Hosting