رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

«البابا كيرلس السادس»

قسم : مقالات
الأربعاء, 08 مارس 2023 19:27

يحتفل غدًا أقباط «مِصر» بعيد نياحة قديس معاصر عرَفه وأحبه المِصريون جميعًا، إذ كان أبًا للكل: إنه القديس «البابا كيرلس السادس» (السادس عشر بعد المائة فى بابوات الإسكندرية)، الذى اعترفت بقداسته الكنيسة القبطية سنة 2013 م.


وُلد البابا كيرلس السادس باسم «عازر» فى 8/8/1902 م. وعلى الرغم من نجاحه الذى شهِد الكل له به، وبالأخص مرؤوسيه فى العمل، فقد كان منشغل القلب والعقل بالسماء، مشتهيًا أن يقدمهما إلى الله فى حياة متصلة من الصلاة والعبادة، ومحبة ارتقت فوق كل ما للعالم. ولهذا التحق «عازر» بدير القديسة السيدة العذراء بوادى النطرون (البَرَموس) فى 27/7/1927 م، وسرعان ما سِيم راهبًا فى 25/2/1928 م باسم الراهب «مينا البَرَموسى»، ثم قَسًّا فى 18/7/1931 م.

وفى حياة «أبونا مينا» الرهبانية، شهد له «القمص عبدالمسيح المسعودى»، أحد شيوخ الدير، فقال: «حارت ومستنى السيل»، أى أنه «أعد ذاته لقَبول سيل نعمة الله»، حتى إنه فى يوم رسامته راهبًا قطع الشيخ الصامت «القمص يعقوب البَرَموسىّ» صمته وعدم محبته للخوض فى أحاديث، قائلاً: «يا ابنى، ليباركك الرب، ويؤهلك للنعمة، ويُنجح طريقك لتسير فى فلاح وتوفيق».

رغِب أبونا «مينا البَرَموسى» فى حياة الوحدة فى الصحراء فتوحد أولاً بمغارة بوادى النطرون، وعلى الرغم من قسوة هذه الحياة فإن سلام «أبونا مينا» وبشاشته لم يفارقاه، فهناك فى أحد أيام 1933 م التقى هو د. «حسن فؤاد»، مدير الآثار العربية، وبصحبته مدير كلية اللاهوت بنيويورك الذى أتى باحثًا عن أصل الرهبنة وتاريخها، فشهِد د. «حسن» بعد اللقاء: «يا أبى، لقد رفعتَ رأس الرهبان، وشرفتَ الرجل المِصرى، فإليك منى تحية حارة، وأرجو أن أبرهن عن عمق تقديرى واحترامى لك يومًا ما!».

وفى سنة 1936 م، انتقل «أبونا مينا المتوحد» إلى طاحونة الهواء بجبل المقطم، لينتشر أريج سيرته العطرة المقدسة بين الناس، خاصة بعد أن قام ببناء كنيسة بمصر القديمة على اسم المحبوب إلى قلبه الشهيد «مار مينا العجائبى». أقام «أبونا مينا المتوحد» بمِصر القديمة، ثم صار رئيسًا لدير القديس «أنبا صموئيل المعترف»، فاهتم بمقر الدير بقرية «الزورة» بالمنيا، كما اعتنى بالدير نفسه بالقلمون فازدهر وعاد إليه رهبانه.

اختارته العناية الإلهية لتحمل مسؤولية رعاية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى وقت دقيق صعب مر بالبلاد والكنيسة، فسيم بطريركًا باسم «كيرلس السادس» فى 10/5/1959 م. وفى بطريركيته، كان أبًا وراعيًا حانيًا، يهتم ويسعى لخلاص أبنائه. وكما ذكر أحد تلامذته الراهب القمص أبونا «روفائيل آڤا مينا»: «أشهد أمام الله: أنى طوال خدمتى للبابا، لم أجده يتربص بأحد أو يحمل ضغينة لأحد أو يحارب من خاصموه، بل رأيته على العكس يحب الجميع، حتى الذين ناصبوه العداء احتضنهم وأسند إليهم أعمالاً هامة!!».

أما عن المودة العميقة والاحترام المتبادل اللذين جمعا القطبين العظيمين الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» والبابا «كيرلس السادس»، فقد كانا دائمًا موضع إعجاب الجميع، حتى إن «إذاعة صوت أمريكا» وصفت «البابا كيرلس» عند نياحته: «لقد تُوُفّى الصديق الوفى لعبد الناصر». وقد كانت تلك المحبة العميقة ممتلئة تقديرًا وتفاهمًا وعملاً دائمًا من أجل مصلحة البلاد. ولا يمكن للتاريخ أن ينسى مواقف البابا «كيرلس السادس» أثناء أزمات مرت بالبلاد كعدوان 1967 م وحرب الاستنزاف، ولا مواقفه الوطنية فيما يتعلق بـ«مِصر» والشرق الأوسط، وعلى نحو خاص موقف المِصريِّين من قضية «القدس»، وإصداره بيانًا تاريخيًّا مشتركًا مع فضيلة «الإمام حسن مأمون»، شيخ الأزهر آنذاك، يؤكَّد فيه تضامن المِصريِّين جميعًا تجاه كل ما يختص بـ«مِصر» من قضايا.

انطلق البابا «كيرلس السادس» من العالم صباح الثلاثاء 9/3/1971 م، فى وداع شهِد له المتنيح «أنبا اغريغوريوس» (الأسقف العام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى آنذاك)، فقال: «أكرمك الله فى وفاتك بهذا الوداع نادر المثال، الذى تجلى فيه كل الوفاء وكل الحب، وكل الإجلال لسيرتك العطرة وحياتك الطاهرة»، وانتشر أريج سيرته واستحق أن تعلَن قداسته و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

 

Rochen Web Hosting