رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

التدخل الخارجى

قسم : مقالات
الأربعاء, 26 أبريل 2023 20:33

استسهل البعض تفسير المواجهات التى تجرى فى السودان واختزلها فى «التدخل الخارجى»، فى حين أن الواقع يقول إن هذه المواجهات سببها الأساسى داخلى، نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية وأخطاء جسيمة ارتكبها الجميع.

صحيح أن هشاشة الوضع الداخلى والصراع المسلح الحادث الآن سيشجع القوى الكبرى والإقليمية على التدخل ليس بالضرورة بغرض إذكاء الصراع، إنما من أجل إنهائه لصالح الطرف الذى تدعمه هذه القوى.
يقينًا التدخل الخارجى حاضر فى العديد من الصراعات الدولية، ولكن فى كثير من التجارب العربية أتى لاحقًا أو نتيجة للأزمة الداخلية التى تشجع الأطراف الخارجية على التدخل، وعادة ما يكون تدخلها «غير حميد» وتُعقّد الوضع ولا تحله.
فبعد تجارب مريرة وفاشلة للتدخل الخارجى السافر فى العالم العربى، مثلما جرى فى العراق، وكانت نتائجه كارثية على الجميع، عدلت القوى الخارجية، خاصة الولايات المتحدة، من أدواتها، ولم تعد حريصة على أن تصنع بنفسها أى تغيير، إنما تجعله لا يتناقض مع استراتيجيتها الكونية ولا يمثل تهديدًا لأمن إسرائيل، أما التفاصيل فلم تعد تعنيها كثيرًا وتركتها للفاعلين المحليين.
ولذا فإن الثورة السودانية كانت نتاج عوامل داخلية بالأساس، وأن تعثر مسارها الانتقالى كان أساسًا بسبب أداء قوى الداخل وأخطاء جسيمة وقع فيها المكونان المدنى والعسكرى، وأدت إلى هذه النتائج.
لقد عرف السودان واحدة من أطول التجارب الانتقالية فى العالم (4 سنوات مُدت بعدها عقب الاتفاق الإطارى لسنتين)، رحلت القضايا الجوهرية مثل توحيد المؤسسة العسكرية، وانشغلت بالتوقيع على اتفاقات «الأمر الواقع» التى تقوم على المواءمة بين الجيش والدعم السريع من جهة، والمحاصصة بين القوى السياسية من جهة أخرى، وهى صيغة كانت حبلى بالتناقضات التى تفجرت فى النهاية فى وجه الشعب السودانى.
صحيح أن هناك مبعوثًا أمميًا للسودان، كما هو الحال فى ليبيا واليمن، لم يكن هو سبب الأزمة التى لم يستطع حلها أيضًا، وهناك دور للرباعية فى التوفيق بين المكونات المختلفة لم يحقق نجاحًا ملموسًا نتيجة عمق الخلافات الموجودة بينها، بما يعنى أن حضور الخارج كان تاليًا للتفاعلات الداخلية.
يقينًا الخارج ليس حملًا وديعًا، والدول لا تُدار بمنطق الجمعيات الخيرية إنما تعمل على تحقيق مصالحها بأدوات ناعمة بالأساس وخشنة إذا اضطرتها الظروف، وأنها تنتظر عادة هشاشة الوضع الداخلى لتدخل فيه.
ما جرى فى السودان دوافعه الأساسية داخلية، صحيح أن هذه المواجهات ستُعظم من فرص التدخل الخارجى، وستزيد من حجم المتربصين بالبلد، وأن هناك أطرافًا كانت مستبعدة من المسار الانتقالى، مثل روسيا والصين، ستسعى عقب تفجر الوضع للتدخل فى الساحة السودانية، وهى كلها أمور لا تُنبئ بخير إلا إذا وعى طرفا النزاع أنه لا حل إلا بالجلوس مرة ثانية بشروط جديدة على طاولة المفاوضات.

 

Rochen Web Hosting