رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

السعودية.. زيارة سريعة وقراءة للمستقبل

قسم : مقالات
الجمعة, 02 يونيو 2023 10:01

 

 

لم أذهب إلى المملكة العربية السعودية منذ سنوات وإن كنت أعرف الكثير عنها وأتابع ما يجرى فيها من أحداث .. فقد احتفظت بعلاقات وصداقات طيبة مع عدد كبير من رموزها فى الأسرة الحاكمة وكوكبة المثقفين والكتاب وأصحاب الرؤى.. ذهبت أخيرا بدعوة لإقامة أمسية شعرية فى مركز الملك عبدالعزيز الثقافى العالمى وهو أكبر المراكز الثقافية السعودية ومقره فى المنطقة الشرقية فى الدمام والظهران والخبر .. وقد أقامته شركة أرامكو كبرى شركات البترول فى العالم هدية للشعب السعودى.

ـــــ أعترف أنى استمتعت كثيرا بالأمسية الشعرية وحشود الشباب من عشاق الشعر والمسرح المبهر الذى أقيمت فيه والفرقة الموسيقية التى رافقتنى.. وكانت الأمسية ضمن برنامج حافل عن تشجيع القراءة فى الدول العربية وشارك فيه عدد كبير من المثقفين العرب كان فى مقدمتهم الشاعر الكبير أدونيس وهى المرة الثانية التى زار فيها السعودية فى أقل من شهر .. ورغم قصر الزيارة إلا أننى رأيت السعودية الجديدة التى اختلفت كثيرا عن ماضيها القريب والبعيد..

> اولاً : هناك تغير كبير فى الشارع السعودي، الناس تغيرت سلوكا وحضورا كان من أهم الظواهر الجديدة هذه الأعداد من الفتيات والسيدات التى تعمل فى كل المجالات دون حساسيات أو تهميش أو وصاية.. فى مواقع كثيرة أصبحت المرأة السعودية تتصدر المشهد دون رفض أو تعنت وفى تقديرى أن المرأة السعودية هى التى ستقود مسيرة التقدم والتغيير لأننى أؤمن دائما أن المرأة هى مقياس النجاح والتقدم.. إن القضية ليست قيادة السيارة أو ارتداء الحجاب ولكنها قضية الوعى وكان تعليم المرأة السعودية فى الداخل والخارج أهم إنجازات المجتمع السعودى.. تستطيع أن تجد الآن نماذج كثيرة مشرفة من المرأة السعودية.

> ثانياً: أتابع مشروع ولى العهد الأمير محمد بن سلمان وإن كنت أشفق عليه من ضخامة طموحاته والتحديات التى يواجهها ما بين تحديات المجتمع وبرامج التنمية الاقتصادية والسياسة العالمية .. على المستوى الاجتماعى فإن أمامه تراثا ثقيلا يبدأ بقضايا الانفتاح وتوابعه والإصلاح الدينى وضروراته وبعد ذلك كله تحويل اعتماد الدولة السعودية من منتج للبترول إلى دولة تنتج كل شيء وتخلق موارد جديدة وتحرير اقتصاد الدولة من سطوة الاعتماد على البترول إلى آفاق جديدة فى الإنتاج الزراعى والصناعى والسياحى وخلق فرص جديدة للشباب عملا وإنتاجا وإبداعا .. فى آخر التحديات طموحه إلى تحرير قراره من كل تراث التبعية السياسية والأمنية.. هذه التحديات والطموحات تجعل ولى العهد السعودى أكثر عزما على المضى قدما فى تنفيذ مشروعه الإصلاحى.

> ثالثاً: فى تقديرى إن الأمير محمد بن سلمان استفاد من الخبرات السياسية الواسعة لوالده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان خاصة فى ظل تجربته الواسعة فى الحكم وهى تجربة خصبة فى سراديب السياسة والعلاقات الدولية، وقد تولى الملك سلمان مناصب كثيرة اقترب فيها من سلطة القرار وكان شريكا فاعلا فيها وفى سنوات عمله أميرا للرياض كانت مفاتيح السياسة السعودية تعبر من خلاله قرارا ومتابعة ودورا..

> رابعاً: إن قضية التغيير فى السعودية تلقى تأييدا واسعا.. إن الشباب السعودى يقف خلف ولى العهد والشباب قوة لا يستهان بها فى مسيرة التقدم, ويبدو أن خلف الأمير محمد فريقا من المستشارين فى تخصصات كثيرة ومن أعمار مختلفة..

> خامساً: إن حالة الانفتاح التى يعيشها المجتمع السعودى فتحت مجالا للحوار وهذا أمر مطلوب لأن المجتمعات قادرة على ترشيد مسارها مع الوقت والتجربة.. وما يحدث فى السعودية يثير الإعجاب.. فى ظل محافظة المجتمع على ثوابته ومقوماته كبيت للمسلمين.

> سادسا: إن العالم يترقب مستقبل التجربة السعودية الدولة الأغنى والأكبر والأهم فى تاريخ وحياة ملايين المسلمين فى العالم..

ـــــ تبقى تجربة السعودية الأسرة والشعب والمملكة والبلد الأغنى والأكبر والأهم قدسية ومكانة محلا لأنظار العالم فى انتظار ما تأتى به الأحداث فى البلد الأقدس دينا والأغنى بترولا والأوسع أرضا لأن السعودية ليست مثل كل الأوطان إنها مهبط الإسلام ومزار خير خلق الله والكعبة الشريفة وآيات قرآننا الكريم.. وأمام برامج تسعى للتقدم والانفتاح والتغيير وأمام تحديات ضخمة, توازن السعودية فى ذات الوقت بين التحديث والحفاظ على ثوابتها الدينية والتاريخية. السعودية ليست ملكها وحدها, فالملايين من كل بلاد الدنيا يحجون إليها ويسعون إلى مقدساتها ويجدون فيها الأمن والأمان..

ــــــ كانت زيارتى للسعودية زيارة قصيرة ولأننى كثيرا ما أحب قراءة الأحداث من بعيد وإن كان الوصول إلى تفاصيل الأشياء أفضل .. نحن أمام تجربة فارقة فى الحكم فى بلد عربى غاية فى الخصوصية حكما ودورا وأهمية وما يحدث فى السعودية لا يخصها وحدها ولكن العالم العربى كله أرضا ودينا وتاريخا سوف يتأثر يما يجرى هناك وكل عربى وكل مسلم يتمنى أن تعبر السفينة بكل الأمان والحكمة.

 

..ويبقى الشعر

 

 

مَا زلتُ أركضُ فى حمَى كلماتِـى

الشِّعْرُ تاجى والمدَى ملكاتـــــِى

أهْفو إلى الزَّمَـن الجميـــل يهُزُّنـــى

صخبُ الجيَاِد وفرحة ُ الرَّايَاتِ

مازلتُ كالقدِّيـــس أنشـــرُ دعوَتِـــى

وأبشِّـــرُ الدُّنيَــــــا بصُبْـــح ٍ آتِ

مازلتُ كالطفـل الصَّغيــــر إذا بَـــدَا

طيفُ الحنـَان يذوبُ فى لحظاتِ

مَازلتُ أعْشقُ رغْـــمَ أن هزَائمــــِى

فى العشْق كانتْ دائمًا مأسَاتِـــى

وغزوتُ آفاقَ الجمَــــال ولم يـــزلْ

الشِّعْرُ عندى أجملَ الغـــــزوَاتِ

واخترتُ يوْمًا أن أحلـقَ فى المـــدَى

ويحُومُ غيْرى فى دُجَى الظلمَاتِ

كمْ زارنِى شبحٌ مخيـفٌ صــــــامتٌ

كمْ دارَ فى رأسى وحَاصَر ذاتِى

وأظلُّ أجــرى ثمَّ أهــــربُ خائفـــــًا

وأراهُ خلفِى زائغَ النـَّظــــــــراتِ

قد عشْتُ أخشَى كل ضيْـفٍ قـــــادم ٍ

وأخافُ منْ سفهِ الزمان الـْعَــاتى

وأخافُ أيَّـامَ الخريـــــفِ إذا غــــدتْ

طيفـًا يُطاردُنِـى علــــى المـــرْآةِ

مَازلتُ رغمَ العُمْر أشعُــــرُ أننِـــــى

كالطفـْـل حينَ تزُورُنــى هفوَاتِى

عنـْدى يقيــــنٌ أنَّ رحْمَــة خالِقِـــــى

ستكونُ أكبرَ منْ ذنوب حَيَاتِـــى

سافرتُ فى كلِّ البـــــــلادِ ولـمْ أجــدْ

قلبـًا يلملمُ حيرَتــــى وشتــاتِـــى

كم لاحَ وجهـــــكِ فى المنام وزارنِى

وأضاءَ كالقنديل فــى شرُفاتِـــى

وأمامِــــى الذكرَى وعطرُكَ والمـنىَ

وجوانحٌ صارتْ بــــلا نبضــاتِ

ما أقصــــرَ الزمنَ الجميلَ سحابــــة ً

عبرتْ خريفَ العمْر كالنـَّسَمَـات

وتناثرتْ عطـــرًا علـى أيَّــــامنـــــَا

وتكسَّرتْ كالضَّوْء فـى لحَظــاتِ

ما أصعبَ الدُّنيـــا رحيـــلا ًدائمــــًا

سئمتْ خطاهُ عقاربُ السَّاعَـــاتِ

آمنتُ فى عينيـــكِ أنـَّـكِ موطِنِــــــى

وقرأتُ اسْمكِ عنــدَ كلِّ صَــــلاةِ

كانتْ مرايَا العمْر تجْـــرى خلفنـَـــا

وتدُورُ ترْسُمُ فى المدَى خطواتِى

شاهدتُ فى دَنـَـــس البلاطِ معابـــدًا

تتلى بهَا الآياتُ فـــى الحانـــاتِ

ورأيتُ نفْسِــى فى الهواءِ مُعلقــــــًا

الأرضُ تلقينـِـى إلـى السَّمَــواتِ

ورأيـــتُ أقدارَ الشعُـــــوبِ كلعبـــةٍ

يلهُو بهَــا الكهَّــانُ فى الـْبَـاراتِ

ورأيْـتُ أصنــــامًا تغيِّـرُ جلـــدهَــــا

فى اليـوْم آلافـــًا مـــن المـــرَّاتِ

ورأيـتُ مـنْ يمشِــى علـــى أحلامِـهِ

وكأنـَّهَــا جُــثثٌ مـــن الأمـــوَاتِ

ورأيتُ منْ باعُوا ومنْ هجرُوا وَمَنْ

صلبـُوا جنينَ الحبِّ فى الطـُّرُقاتِ

آمـــنتُ بالإنْـسَــــان عُمــــْرى كلـــهُ

ورسمتـُـهُ تاجـًـا علـى أبيـاتِــــى

هوَ سيِّدُ الدُّنـْيـــا وفجْــــرُ زمَانهَــــــا

سرُّ الإلـهِ وأقــدسُ الغــــَايَــــاتِ

هو إنْ سمَا يغدُو كنجم مبْــهر

وإذا هوَى ينحطُّ كالحشـــــراتِ

هلْ يسْتوى يومٌ بكيتُ لفقـــــــــْدهِ

وعذابُ يوم ٍ جاءَ بالحسرَاتِ ؟!

هلْ يستـَوى صُبحٌ أضاءَ طريقنـَا

وظلامُ ليْـل مَر باللعنـــــــاتِ ؟!

هلْ يستوى نهرٌ بخيلٌ جَاحـــــــــدٌ

وعطاءُ نهْر فاضَ بالخيرَاتِ ؟!

أيقنتُ أنَّ الشـِّعْر شاطئُ رحْـلتــــِي

وبأنهُ عندَ الهلاكِ نجَاتِــــــــــي

فزهدتُ فى ذهبِ المعزِّ وسيفــــــهِ

وكرهتُ بطشَ المسْتبدِّ الـعَاتـــِي

وكرهتُ فى ذهبِ المعزِّ ضـــــلالهُ

وخشيتُ من سيْف المعــزِّ ممَاتِي

ورفضتُ أن أحْيا خيَالا ًصــــــامتـًا

أو صَفحة تطوَى معَ الصفحَـــــاتِ

واخترتُ من صَخبِ المزادِ قصَائِدِي

وَرَفضتُ سوقَ البيْع والصَّفقـَاتِ

قدْ لا يكونُ الشِّعرُ حِصْنـــــًا آمنـــــًا

لكنهُ مجْدٌ .. بلا شـُبُهــــــــــــاتِ

والآنَ أشعرُ أن آخرَ رحْـلتِــــــــــــي

ستكونُ فى شِعْرى وفى صرَخَاتِي

تحْت الترابِ ستختفى ألقابُنــــــــــــا

لا شئَ يبْــقى غيرُ طيفِ رفـــــاتِ

تتشابكُ الأيدى .. وتنسحبُ الــــرُّؤي

ويتوهُ ضوْءُ الفجْر فى الظلـُمـــاتِ

وترى الوُجُوه على التـُّراب كأنــــــهَا

وشمٌ يصَافحُ كلَّ وشـْــــــــــــم آتِ

مَاذا سَيبقى منْ بريق عُيُوننـــــــــــا ؟

لا شيءَ غير الصمْتِ والعَبَــــــراتِ

ماذا سَيَبقى من جَوادٍ جـــــــــــــامحٍ

غيْرُ البكاء المرِّ.. والضَّحكـــــاتِ؟

أنا زاهدٌ فى كلِّ شيْء بعْدَمــــــــــــَا ..

اخترتُ شعْرى واحتميتُ بذاتِـــــي

زينتُ أيَّامى بغنوةِ عاشِــــــــــق

وأضعتُ فى عشـْق الجْمال حَيَاتي

وحلمتُ يَوْمًا أن أراكِ مَدينتـــي

فوق السَّحاب عزيزة الرَّايَــــــــاتِ

ورَسَمتُ أسرابَ الجمْال كأنـَّها

بينَ القلوب مواكبُ الصَّــــــــلواتِ

قد قلتُ ما عندِى ويكفى أنني

واجَهْتُ عصْرَ الزَّيْف بالكلِمــــاتِ

 

Rochen Web Hosting