رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

رب "العائلة الأدهمية"

قسم : مقالات
الخميس, 10 أكتوبر 2019 14:01

من الدروس التى تعلمها الرئيس السادات من انتفاضة يناير 1977 أن الشارع ليس له، وأن المعارضين له من اليساريين والناصريين هم من يملكون القدرة على تحريكه، لذا فكّر الرئيس فى فتح المجال العام وتأسيس منظومة حزبية تستطيع السيطرة على الشارع لحسابه الخاص.

فى عام 1977 صدر قانون إنشاء الأحزاب، وفى أعقاب ذلك نشأت أحزاب التجمع (للتعبير عن اليسار والناصريين والقوميين) وحزب الأحرار الاشتراكيين (للتعبير عن اليمين) وحزب مصر (للتعبير عن الوسط)، ثم قرر «السادات» النزول إلى الشارع السياسى بنفسه فأسس الحزب الوطنى تيمناً بالحزب الشهير الذى أنشأه مصطفى كامل برعاية الخديو عباس حلمى عام 1907. وتوالى بعد ذلك ظهور الأحزاب فنشأ حزب العمل الاشتراكى وحزب الوفد الجديد وغيرهما.

الأحزاب فى كل الدنيا تنشأ بإرادة جماهيرية ويتحدد حظها من النجاح بقدرتها على ترجمة توجهات الشارع فى أفكار وبرامج تعتمد عليها فى الكفاح من أجل الوصول إلى الحكم وتغيير الواقع تبعاً لتصوراتها، لكن الأمر كان خلافاً لذلك فى التجربة الحزبية الأدهمية الثالثة التى قادها الرئيس. بطبيعته كان السادات يرى فى نفسه مفكراً كبيراً، وأخطر القرارات التى اتخذها كان مدارها اللحظات التى يخلو فيها الرئيس إلى نفسه ويدخن البايب الشهير وينغمس فى التفكير، ثم يخرج إلى مجموعة من الخلصاء المعدودين على أصابع اليد الواحدة ويختبر معهم القرار الذى استقر عليه.

لم يكن رأس «السادات» بالهين، والتحليل المنصف لتاريخه يقول إن الرجل اتخذ العديد من القرارات المدهشة التى لم يتفهمها الأداهم فى عصره، لكن الأجيال التالية أدركت قيمتها، لكن ذلك لا يمنع من القول بأن قرارات أخرى اتخذها الرئيس كانت توقعه فى فخاخ ومطبات شديدة الخطورة، خصوصاً أن الآحاد الذين كان يستخدمهم لاختبار رأيه أو للقيام بعصف ذهنى معهم حول جدوى القرار الذى خلص إليها كانوا يميلون إلى التصديق على كلامه ويكتفون بامتداح حكمته.

لم تنجح الأحزاب التى تشكلت بدءاً من العام 1977 فى السيطرة على الشارع الأدهمى الذى لم تكن مشكلته سياسة قدر ما كانت اقتصاداً. كان الأداهم يعانون الأمرين نتيجة سياسات الانفتاح والفساد الذى نشب مخالبه فى كل الاتجاهات، تراجعت قيمة العلم والشهادة كثيراً، وأصبح الحرفيون يكسبون أكثر من المتعلمين، بسبب ارتفاع معدلات الطلب عليهم بعد حركة المعمار التى انتشرت بفعل الانفتاح وتدفق المال الخليجى.

سقط الكثير من الموظفين فى هوة الفقر وأصبح معظمهم ينام ويحلم بتطبيق القانون رقم (83) الهادف إلى تحسين مستوى دخولهم، توالى ارتفاع الأسعار وزاد حجم التردى فى مستوى الخدمات أكثر وأكثر.

لم يستوعب رأس «السادات» أن الأداهم ينشغلون بالمعايش عما عداها، وأنه إذا أطعم الأفواه فلن يكون هناك مانع لدى الأداهم من أن يقدسوه كفرعون، كما كان يحب.

كان أهل الأدهمية يسمعون أحاديث «السادات» المغرقة فى الخيال حول توفير بيت صغير بحديقة أو فيلا وسيارة لكل مواطن فيردون «يوفر لنا ما كان يوفره عبدالناصر بس»!.

لم تغن الأحزاب السياسية الأداهم ولم تسمنهم من جوع، لذلك لم تفرق معهم فى شىء، بل أصبحت فيما بعد صداعاً فى رأس الرئيس حين اتجه أغلبها إلى معارضة سياساته وتوجهاته فى محاولة لاستقطاب الشارع، فهاج رب العائلة وماج.

Rochen Web Hosting