رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

أصل "العلة العربية"

قسم : مقالات
الإثنين, 25 نوفمبر 2019 23:21

سيناريوهان لا ثالث لهما تتعامل بهما كل من حكومات المنطقة وشعوبها عندما تصل العلاقة بينهما إلى طريق مسدود. سيناريو الحكومة يتمثل فى الهروب إلى القمة، أما سيناريو الشعوب فيتمثل فى اللجوء إلى القاع. والقمة هنا تعنى «الخارج»، أما القاع فيعنى «الماضى». أمامنا عدة نماذج تطبيقية على توظيف هذين السيناريوهين فى مواجهات بين الشعوب والحكومات تشهدها بعض دول المنطقة التى نعيش فيها.

فى العراق تتواصل المظاهرات ضد الحكومة. وهى المظاهرات التى تحركت بسبب تردى مستوى الخدمات وانتشار البطالة وغلاء الأسعار وضعف الدخول. تصاعدت المواجهة الشعبية الحكومية إلى حد لجأ معه المتظاهرون إلى احتلال بعض المرافق الحيوية مثل ميناء أم قصر. خرج ساعتها أحد المسئولين قائلاً إن توقف العمل بالميناء لمدة 5 أيام أدى إلى خسائر تقدر بـ6 مليارات دولار، مما يعنى أن الميناء وحده يوفر للحكومة مئات المليارات سنوياً. ضحك المتظاهرون وسألوا: لماذا إذن لا توفر الحكومة للمواطن عيشة كريمة وهى تجنى كل هذا الدخل؟. اشتدت المظاهرات أكثر على وقع هذا النوع من التصريحات، ما دفع الحكومة إلى الهروب إلى القمة فاتهمت قوى خارجية بالوقوف وراء المظاهرات وأعادت إلى الذاكرة العربية أحاديث «القلة المندسة» التى تدخل بين المتظاهرين فتدفعهم إلى التخريب. أما الشعب فقد أخذ بعضه يتباكى على أيام صدام حسين، وكيف كانت الأحوال الاقتصادية أفضل خلال فترة حكمه، رغم ما شابها من قمع واستبداد وقتل ممنهج للمعارضين.

الأمر نفسه ينطبق على إيران التى خرج ملاليها يتهمون كل من جاء على بالهم بالوقوف وراء المظاهرات التى تشهدها البلاد. تحدثوا عن دور تخريبى للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية بل وبعض الدول الأوروبية. إنها العادة أو السنة الجارية بأن تهرب الحكومة إلى القمة لتبرر فشلها، لأن أصل الأزمة فى إيران يرتبط بسياسات حكامها الساعية إلى فرض سطوتهم على الإقليم وتوجيه مقدرات الدولة لتحقيق هذا الهدف دون الاكتراث بتأثير ذلك على المواطن. إيران تعانى من أزمة اقتصادية مزدوجة الأسباب، حيث تقف وراءها تكلفة الحروب التى تخوضها بالوكالة العديد من الفصائل التابعة لطهران داخل دول المنطقة، بالإضافة إلى النتائج التى ترتبت على العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها. الاحتجاجات فى إيران حركتها أسباب اقتصادية فى الأساس دفعت الأجيال التى عاصرت الشاه إلى الهروب إلى أيامه وتذكر ما كانت عليه الحال وقتها. المشهد تكرر أيضاً فى لبنان حين خرجت فصائل الحكم هناك وعلى رأسها حزب الله وانخرطت فى حديث لا يتوقف عن المؤامرة الخارجية التى تحاك للبلاد وتقف وراءها دول كارهة للبنان!. أما الشعب فقد طالب بالخروج من زمن المحاصصة الطائفية والعودة إلى زمن الإدارة السياسية الحقيقية خلال الستينات وأوائل السبعينات.

ليس جديداً أن تلجأ الحكومات إلى الكلام عن المؤامرات الخارجية وأحاديث القلة المندسة وهى تواجه احتجاجات شعوبها. وليس جديداً أيضاً أن تلوذ الشعوب بالماضى فى مواجهة مشكلات الحاضر. كلا السيناريوهين لن يساهما فى حل مشكلة أى من الحكومات أو الشعوب. ليس أمام الشعوب سوى استيعاب درس واحد ملخصه أن تردى الاقتصاد يسبقه تردٍّ فى السياسة، وأن مقايضة السياسة بالاقتصاد فى مراحل معينة تؤدى إلى خسارة السياسة والاقتصاد. فلو كانت الشعوب قد بادرت بصورة مبكرة إلى مواجهة محاولات القهر السياسى لما عاشت يوماً تخرج فيه للمطالبة بحقوقها الاقتصادية.. ذلك أصل العلة العربية.

Rochen Web Hosting