رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

عندما طفحوا

قسم : مقالات
السبت, 14 ديسمبر 2019 15:59

زمان كانت الصحافة تتحرك بأصابع تجيد العزف على أوتار المهنة. قبل ثورة يوليو 1952 كانت الساحة تحتشد بشخصيات عشقت المهنة، فقدّمت صحافة كانت تصنّف فى المرتبة الثالثة على مستوى العالم. الصحف حينذاك كانت تعكس توجّهات مختلفة، فمنها ما كان يعمل بمعادلة العمل لحساب القارئ، ومنها ما تحزّب للوفد، أو لأحزاب الأقلية، أو للملك، أو للإنجليزى المحتل للبلاد. تعرّضت المهنة لهزة عنيفة بعد عام 1954 بعد أن تدخّلت السلطة، فأوقفت الصحف المستقلة، وأبرزها صحيفة «المصرى» التى تملكتها أسرة «أبى الفتح»، وألغت الأحزاب بما تصدّره من صحف، فضربت المهنية والاستقلالية، وهدمت مبدأ التعدّدية، ولم يعد هناك غير «صحف الموالاة للسلطة»، حتى إن لم تكن مملوكة لها، وفى عام 1960 تم تأميم الصحف لتصبح مملوكة رسمياً للسلطة بعد صدور قانون تنظيم الصحافة.

 
 

الصحفيون أيام «عبدالناصر والسادات» كانوا «شطاراً»، فرغم عملهم فى معية السلطة، فإن ما تمتعوا به من مهارات وقدرات ساعدهم على تقديم صحافة مؤثّرة ومقروءة. نحن نتحدث عن جيل فتحى غانم وأحمد بهاء الدين وصلاح حافظ ومصطفى وعلى أمين ومحمد حسنين هيكل وأنيس منصور وموسى صبرى وغيرهم. الفارق بين هؤلاء ومن جاء بعدهم هو ببساطة «فارق قدرات». فالكل تساوى فى التبعية للسلطة داخل صحف تابعة لها، لكن القدرات تختلف، وفى كل الأحوال كانت تقل عند الانتقال من جيل إلى جيل، حتى استقر الأمر بالنهاية فى يد جيل العقد الأخير من زمن «مبارك». ذلك الجيل الذى حركته أحلام قديمة بإعادة الاعتبار إلى المهنة. وليس هناك خلاف على أنه تمكن من إلقاء حجر فى ماء الصحافة الراكد، وحرك المهنة عدة خطوات إلى الأمام، واستلهم تجارب عدد من شيوخ المهنة ممن امتد بهم العمر إلى ذلك الزمن، مثل محسن محمد وإبراهيم سعدة وهيكل وغيرهم، لكن هذا الجيل كان يحاول إحياء شباب المهنة، فى ظل تحولات تكنولوجية كانت تهز واقع الصحافة فى العالم هزاً عنيفاً.

دخلنا عصر «السوشيال ميديا» أو عصر «الطرقعة على الكيبورد» فاختلفت الحال وأصبحت المهنة مأوى لكل من هب ودب، وأصبحت بعض الكتابات الصحفية أقرب إلى دردشات وتدوينات السوشيال ميديا. مساحات معينة من الصحافة المصرية على وجه التحديد -خلافاً لصحافة العالم- أصبحت على هذا النحو، حين أفسح الطريق أمام أنصاف المتعلمين وأنصاف الموهوبين ليتصدّروا المشهد داخل بعض المواقع الصحفية. نقل هؤلاء فضلات السوشيال ميديا ولهجتها ونمط خطابها إلى المحتوى الصحفى. وبسبب «ضعف القدرات» الساكن فى خلاياهم الدموية لم يتمكنوا من التفرقة بين طبيعة وسائط التواصل المغلقة على مجموعة والصحيفة ذات الطبيعة العامة المتاحة لكل من يريد. فى بريطانيا على سبيل المثال هناك جدل دائر بين المجموعات المؤيّدة والمعارضة لـ«بريكست» -خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى- وما أكثر ما يتبادل الطرفان السباب والشتائم على مجموعات التواصل، لكنك لا تجد هذا الخطاب طافحاً على الصحافة البريطانية، لأن صناعها يعلمون الفارق بين الكلام المرسل السفيه عند التعبير عن الرأى والخطاب المعلوماتى المتزن والمرتكز الواجب نقله إلى القارئ. ويضاعف من المشكلة داخل بعض الصحف المصرية حالة «الحول السياسى» المصاب بها بعض المسئولين عنها، حين يظنون وهماً أنهم يخدمون حين يلجأون إلى «صحافة المصاطب»، دون أدنى وعى بأنهم مجموعة من «الدببة» تسىء إلى أربابها.

Rochen Web Hosting