رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

افتكاسات «كورونية»

قسم : مقالات
الثلاثاء, 10 مارس 2020 22:05

كنت أتابع بعض البرامج التليفزيونية حين استمعت إلى أحد الأطباء وهو يجيب عن سؤال للإعلامى «عمرو أديب» حول قلق بعض المصريين من زحام مترو الأنفاق وخطورته، خصوصاً إذا امتطاه -لا سمح الله- أحد المصابين بفيروس كورونا، فكان رده أن ثمة فروقاً فى الضغط الكهربائى بين سقف المترو والأرض يؤدى إلى إفراز شحنات -ومش عارف إيه كمان- تلعب دوراً فى القضاء على أى فيروس، بما فى ذلك فيروس كورونا بالطبع!. كلام أعجب جاء على لسان الإعلامى مفيد فوزى، وهو يتحدّث عن خصوصية وضع كل من مصر والهند فى ما يتعلق بانتشار فيروس كورونا، حيث فسّر ذلك بسبب فى منتهى الغرابة، هو ببساطة «التوابل»، فذكر أن البهارات والكمون والفلفل وخلافه تقى من الكثير من الفيروسات، ثم قدّم الحل السحرى لمواجهة فيروس كورونا، والمتمثل فى «الكركم»، فذكّرنى بالإعلانات التى تروّج على قنوات «بير السلم» حول «الكركمين» وحاجة الإنسان إليه وأهميته لصحته.

ما هذا الذى وصلنا إليه؟. هل ذلك هو أسلوب أطبائنا ومثقفينا فى التعامل مع خطر يتهدّد صحة المصريين؟. تذكرنى هذه الطريقة فى التفاعل مع الحدث بالكثير من الحكاوى التى قصّها علينا الجبرتى و«ابن إياس» وغيرهما حول الطريقة التى تعامل بها أجدادنا المصريون مع الأوبئة، التى كانت تجتاح البلاد فى ما مضى، مثل الكوليرا والطاعون. ففى مواجهة «الشوطة» كانت الغالبية تتعامل بشكل «ألاوى»، فيرفض البعض الاعتراف بوجودها، أو إمكانية أن يصيبهم ما أصاب الآخرين، ويرى آخرون أن خير كابح لها ومانع للإصابة بها هو مدافع العطارة، أو القراطيس التى تحتوى على الخلطة السحرية التى تقى من كل سوء، أو بالأحجبة والتعاويذ وخلافه. لو أنك راجعت الحكاية الأولى من ملحمة «الحرافيش» لنجيب محفوظ، فسوف تجده قد استدعى الكثير من المشاهد التى تعكس هذا النمط من التفكير لأهل الحارة، الذين رفضوا نصيحة «عاشور» بالهروب إلى جبل المقطم، وكانت النتيجة أن أكلت الشوطة الجميع، ولم ينجُ منها إلا «عاشور الناجى».

حقيقة الطريقة التى نتعامل بها مع فيروس كورونا يختلط فيها الهوس الدينى بالهوس الدنيوى بصورة عجيبة الشكل. المعالجة العقلية والمنطقية تفرض على الجميع عدم التهويل، لأنه فيروس مثل أى فيروس سبق أن واجهه العالم وواجهناه فى مصر، ومن المطلوب أيضاً عدم التهوين والتعامل باستخفاف مع خطر يهدّد صحة الناس، مهما كانت محدودية عدد ضحاياه. فالنفس الواحدة لها قدسيتها، ومن المفروض على الجميع التآزر لحمايتها. الإعلام مطالب بدور فى التوعية والتعامل بشفافية وبمصداقية مع الأزمة. ولست أقصد بالتوعية هنا مجرد الأحاديث الدارجة عن معايير النظافة وكيفية التصرف فى حالات الإصابة وغير ذلك، بل أعنى أن يقوم الإعلام بدور فى الارتقاء بأسلوب تفكير الجمهور وترقية سلوكه بصورة تؤدى به إلى حسن التصرّف، أما نشر الأفكار التى تعكس الهوس الدينى أو الدنيوى، والتى تحتشد بالخرافات والافتكاسات، فلا تقل خطورة عن فيروس كورونا، لأنها «بتشتغل عَ المخ عدل!».

Rochen Web Hosting