رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الفيروسات المهرجانية

قسم : مقالات
الثلاثاء, 24 مارس 2020 08:52

مجموعة من مطربى المهرجانات ظهروا فى فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى يدعون فيه بعضهم البعض إلى كسر كل قواعد الوقاية من فيروس «كورونا»، معتمدين فى ذلك على طريقة تقوم على ذكر القاعدة ثم كسرها، فمثلاً ينصح «زعيمهم» بالتخلى عن عادة المصافحة باليد والتقبيل، ثم «يهرون بعضهم بوس»، وينصح بعد ذلك بالاحتفاظ بمسافة متر بين الشخص وبين أى مخالط، ثم يجلسون على «حجر» بعض، بعدها يتبادلون الشرب من زجاجة مياه واحدة، بعد نصيحة «ماتشربش مطرح حد عشان ماتتعديش بكورونا». لن أزيد على ما قاله كثيرون فى حق هذه الفيروسات المهرجانية وما كالوه لهم من كلمات معبرة عن «قرفهم» مما يفعلون، لكننى أريد أن أتوقف أمام مثل هذه الكائنات التى ستبقى شاهداً على الزمان العجيب الذى نحياه.

لو أنك تأملت أياً من الكتب التى تقص عليك حكايات الأجيال السابقة من المصريين الذين عاشوا خلال القرن الثامن عشر أو التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، سوف تجد أنها تهتم أشد الاهتمام بالأوبئة التى تعرضت لها البلاد، وكيف أدى المصريون فى مواجهتها. ستجد تفاصيل عديدة عن الطواعين والكوليرا والملاريا التى ضربت البلاد والعباد منذ فترات زمنية بعيدة، ربما أثار بعضها السخرية والعجب لدى أبناء هذا العصر الذى نعيشه. يمكنك أن تطالع فى هذا السياق حكايات عن مشايخ كانوا يبيعون أحجبة للوقاية من الكوليرا، وإذا بهم يلقون حتفهم مطعونين بالكوليرا والأحجبة فى أيديهم وجيوبهم وفوق صدورهم، وحكايات أخرى عن المماليك الذين شمتوا فى الأهالى المضروبين بالطاعون فإذا بالوباء يصل إليهم فى بيوتهم. حكايات أخرى عديدة تصيبك بالدهشة والتعجب حول الطريقة التى كان يفكر بها هؤلاء الناس، لكنك فى النهاية لا تملك إلا أن تتعامل بشكل موضوعى مع ما تقرأ، فتقول فى نفسك: ثقافة العصر كانت كذلك.. والجهل كان يسيطر على مجتمع يعيش فى عزلة عن العلم والفكر الرشيد!.

مؤكد أن جائحة «كورونا» التى ضربت دول العالم المختلفة منذ شهور وتسللت إلى مصر، سوف تكون موضوع اهتمام المؤرخين للفترة التى نعيشها. ومن أبرز مميزات هذه الفترة أن كل شىء حدث فيها موثق بفضل الأدوات التكنولوجية، بما فى ذلك فيديو الكائنات الفيروسية المحرض على العدوى بـ«كورونا»، كذلك فيديوهات علاج الفيروس بالكركم وبالمضمضة بالماء الساخن والملح وشرب الشاى وتأثيره السحرى على الفيروس، وكيف يطرده إلى المعدة بدلاً من سقوطه فى القصبة الهوائية، وغير ذلك.

الزمن القادم سوف يشهد على أن قطاعاً لا بأس به من أبناء هذا الشعب جعل من كائنات المهرجانات نجوماً. تلك الكائنات التى لا تملك موهبة أو قدرة أو مهارة غير ما يملكه الضائعون فى كل زمان ومكان، وأن بعضاً ممن أتيح لمسالكهم «الكلامية» الوصول إلى «ودان الناس» لم يختلفوا كثيراً عن المشايخ والدراويش الذين كانوا يبيعون الأحجبة فى زمن الجوائح أيام «المقريزى» و«الجبرتى»، وإن اختلف الحجاب المعاصر فى طبيعته، لأنه أصبح يقدم فى «كوباية شاى» أو «كوباية مية بملح».. وهلمَّ جرّا!.

Rochen Web Hosting