رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

شىء من الخـوف

قسم : مقالات
الأحد, 05 أبريل 2020 11:13

أعلم حالة الوجع النفسى التى يعيشها الكثيرون هذه الأيام جراء «العزل» الناتج عن الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها الدولة لمحاصرة فيروس كورونا وتعطيل قدرته على الانتشار. المصريون ليسوا وحدهم فى هذا السياق، فمليارات البشر على سطح الكرة الأرضية فُرض عليهم «العزل» كإجراء احترازى، وتولّد لدى كثير من البشر إحساس بأنهم يعيشون داخل سجون. وليس ثمة فارق لدى البعض بين العزل خلف قضبان سجن والعزل داخل المنازل.

لا أحد يعلم على وجه التحديد متى تنتهى هذه المحنة. الأقوال متضاربة. هناك من يقول إنها ستستمر لأسابيع مقبلة، وهناك من يؤكد أن المسألة قد تستغرق شهوراً. فأمام المجهول يصبح الإنسان لقمة سائغة فى فم الاضطراب والقلق والخوف. وكل من يسعى على وجه الأرض حالياً لم يمر بحدث يشابه حدث كورونا. اللهم إلا من عاش فترة الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من انتشار لمرض الإنفلونزا الإسبانية، أو عاش فترة الرعب التى اقترنت بالحرب العالمية الثانية. وبإمكانك أن تقف على حال الأسرة المصرية خلال الحدث الأخير من مراجعة رواية «خان الخليلى» والأحاسيس المرّة التى عاشتها أسرة «عاكف أفندى» نتيجة الحرب، وحالة الرعب التى كانت تنتابها مع كل صافرة خطر تقترن بسماع أزيز الطائرات وهى تهدر فى السماء، ثم أصوات الانفجارات التى ترعد على الأرض وترتعد معها فرائص من آووا إلى الخنادق. عالجت أسرة «عاكف أفندى» أمر «العزل» بـ«العزال» من حى السكاكينى الذى عاشوا فيه لحظات الخطر، إلى حى الحسين، الذى ذهبوا إليه مطمئنين إلى المستقبل الذى سوف يعيشونه فى حمى الإمام الحسين بن على!.

الأحداث والإجراءات التى ترافقت مع فيروس كورونا أشد وطأة من الضغوط التى مارستها الحرب العالمية على البشر، وكذلك على المصريين. فقد ولدت إحساساً لدى الكثيرين بأنهم يقضون فترة عقوبة بالسجن جراء جرم أو ذنب معين اقترفوه. البعض ردّد أن كورونا عقاب من الله. الله تعالى أعلم. يقول الله تعالى: «وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»، ولكن ثمة سؤال هل يعاقب الله تعالى البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعمالهم وعقائدهم؟. قد يكون عقاباً وقد لا يكون. البعض الآخر يتساءل لماذا لا يكون «شىء من الخوف». يقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». شىء من الخوف قد يصلح إيمان البشر.

ليس هناك خلاف على أن «الخوف» قرين «العزل». فى العزلة تستبد بالإنسان أحاسيس الوحدة والوحشة، مما يشعل إحساس الخوف بداخله، وربما فسّر لك ذلك حالة الوجع النفسى التى يعيشها الكثيرون. وليس فى مكنة أحد أن يحدد على وجه الدقة، هل هذا «الشىء من الخوف» ابتلاء إلهى أم ابتلاء بشرى؟. بعبارة أخرى هل هناك من يريد أن يخيف البشر ويضعهم فى حالة قلق واضطراب وفقدان للتوازن لهدف أو لآخر؟. لا يستطيع أحد أن يثبت ذلك، فلا أدلة مباشرة أو غير مباشرة عليه، لكن المؤكد أن هناك من سيستفيد -وبشدة- من حالة «الشىء من الخوف» التى يعيشها البشر حالياً بعد انكشاف محنة كورونا.

 

Rochen Web Hosting