رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الرئيس سامية صلوحى والقبطانة مروة السلحدار

قسم : مقالات
الأحد, 28 مارس 2021 12:49

تولت السيدة سامية حسن صلوحى رئاسة الجمهورية فى تنزانيا خلفًا للرئيس جون ماجوفلى، حيث كانت نائبًا له، وينص الدستور على أن يتولى النائب الرئاسة استكمالًا لمدة الرئيس إذا خلا موقعه بالوفاة أو مع العجز التام عن أداء مهمته.

 

 

وما إن تولت، حتى انتشر الخبر عبر وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية حول العالم فى بلاد الغرب، كان الاحتفاء والاندهاش أن سيدة تشغل موقع الرئاسة فى بلدٍ إفريقى، وزاد من اندهاش البعض أنها مسلمة، وعندنا كان التهليل ليس لأنها سيدة، كراهية أى دور سياسى للمرأة متوفر لدى الكثيرين هنا، المهللون بيننا انطلقوا من أنها «مسلمة محجبة».

 

 

فى أوروبا والولايات المتحدة، لديهم نظرة عنصرية تجاه إفريقيا، يرون أنها بؤرة تخلف، لذا تصيبهم الدهشة من أى خطوة تكشف الرقى الإنسانى فى القارة السمراء، لاحظ أنهم فى الولايات المتحدة فشلوا تمامًا فى الدفع بسيدة إلى البيت الأبيض، وأخيرًا وجدوا الأفضل فى التسلل إلى البيت الأبيض عبر منصب نائب الرئيس.. لعل وعسى.

 

 

وعندنا لا يعد الحجاب أو الطرحة اختيارا خاصا وشخصيا لمن ترتديه، ولا يراه البعض نوعًا من التدين والمحافظة الاجتماعية، بل هو عندهم هوية وانتماء سياسى وأيديولوجى.. باختصار، عنوان سياسى وحزبى أكثر منه دينيا وأخلاقيا، لذا كان الحجاب هو فقط ما استوقفهم فى سيدة تنزانيا. ولأن الانحياز المسبق يعطل العقل، لم تهتم تلك المنابر والمنصات الإعلامية هناك وهنا بأن تُعلم المواطنين بالتجربة التنزانية عموما وإفريقيا، بل عن السيدة سامية نفسها.

 

 

تولى هذه السيدة الرئاسة يضعنا أمام ثلاث قضايا مهمة، تفرض علينا تأمل كثير من الأمور:

 

 

أولا: تاريخ إفريقيا السياسى والاجتماعى والثقافى لا ينكر على المرأة أن تتولى أرفع موقع فى بلادها، بدءا من مصر العظيمة التى جعلت حتشبسوت ملكة البلاد، ولم تكن حتشبسوت حالة استثنائية، هناك خمس ملكات غيرها فى مصر القديمة، وقد وضع عالم المصريات الجليل د. ممدوح الدماطى كتابا موسعا عنهن، نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة ٢٠١٨، فى طباعة أنيقة، وأتمنى على وزارة التربية والتعليم أن تدرج هذا الكتاب ضمن برنامج القراءة والمطالعة العامة لتلاميذ وتلميذات المدارس.

 

 

المغرب الشقيقة عرفت أيضًا تلك الظاهرة، الباحثة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسى لها كتاب «السلطانات المنسيات» عن السيدات اللائى حكمن بلاد المغرب فى عهود مختلفة، وهكذا الحال فى معظم مناطق إفريقيا، الملكة أمنية فى مناطق الهوسة، «نرنجا مباندى» فى أنجولا- القرن السابع عشر- وفى إثيوبيا القرن التاسع عشر نجد «تيتو البتول»، التى واجهت الغزو الإيطالى لبلادها، وفى الماضى القريب جدا تولت رئاسة ليبيريا سنة ٢٠٠٦ السيدة إلين جونسون.. ومن ثم يجب ألا نفاجأ بتولى سامية حسن رئاسة تنزانيا، رغم أنها أول سيدة فى تنزانيا تصل إلى هذا الموقع، ولو دققنا البحث فى تاريخ كل بلد فى إفريقيا، شرقا وغربا، شمالًا وجنوبًا، لاكتشفنا وجود سيدات قمن بدور وطنى وتاريخى مهم، ليس بالضرورة فى موقع الحكم، بل فى مواقع أخرى.. أمامنا فى تونس نموذج النائبة عبير موسى التى تتصدى بقوة لطيور الظلام التى تبغى الانقضاض على الوطن والمجتمع، وفى مصرنا العظيمة ارتفع صوت الراحلة نوال السعداوى منذ نهاية الخمسينيات تحذر من ختان الإناث وزواج القاصرات قبل أن تلتفت الأمم المتحدة، المنظمة الدولية الكبرى، إلى خطورة القضيتين على المجتمع كله وعلى مستقبل المرأة، ومن حسن الحظ أن القضيتين صارتا من أولويات الحكومة والدولة فى النهوض بالمجتمع.

 

 

الثقافة الإفريقية تقر للمرأة منذ القدم بالأحقية فى تزعم القبيلة، أى شؤون الحكم، فما بالنا بما دون ذلك من المواقع والأدوار الاجتماعية والسياسية؟!.. دعنا الآن من آراء بعض علماء الاجتماع ورجال الأنثروبولوجيا فى أن النظام الأمومى القديم نشأ وعرف فى إفريقيا بعكس الفلسفة والثقافة الغربية التى قامت لدى سقراط وأفلاطون وأرسطو على احتقار المرأة بشدة، وأنها لا تتمتع بنفس روح الرجل، صنفت المرأة لديهم بين العبيد وتحمل روحًا شريرة، قارن ذلك برقى المصريين الذين لم يجدوا غضاضة فى أن تقود «شجرة الدر» البلاد فى لحظة الحرب وتعرّض مصر للغزو الأجنبى، وتحمل المصريون سخافة الخليفة العباسى الذى أرسل متندرا وساخرا: «إن لم يكن لديكم رجل يحكمكم أرسلت إليكم رجلا»، ونجحت شجرة الدر فى تحقيق النصر على جيش الفرنجة.

 

 

ثانيًا: تتكون تنزانيا من أغلبية مسيحية، حوالى ٦١% من السكان، وأقلية من المسلمين حوالى ٣٠%، بعض التقديرات تذهب إلى أنهم أقل قليلا من تلك النسبة، وتقديرات أخرى تصل بهم إلى ٣٥%، يتركز معظمهم فى إقليم زنجبار الذى يمتلك تاريخًا ودورًا مهمًا فى الحياة الاجتماعية والثقافة العربية والإسلامية، نلاحظ أن اسم الرئيسة «سامية »عربى بكامله، بقية السكان يعتنقون الديانات الإفريقية القديمة، لكن النظام السياسى يقوم على قاعدة المواطنة التى تسمح بالتعدد والتنوع، بل يسعد به ويعتبره علامة ثراء وخصوبة اجتماعية وسياسية، لا إقصاء ولا استبعاد لأحد فى المواطنة أمام القانون، لا مفاضلة بين مسيحى أو مسلم، ولا احتقار أو نفى للوثنى.. الجميع فى الوطن سواء، لذا لم يجد المسيحيون- وهم أغلبية- غضاضة فى أن تتولى سيدة مسلمة الرئاسة، ولا استنكرت أو استنكفت هى من أن تحكم شعبا، حوالي١٠% من سكانه لا يدينون بدين سماوى، لأن الأصل فى دنيا السياسة هو الوطن والمواطن.

 

 

الواقع أن مقولات الأغلبية والأقلية ليست آراء أو نظريات صماء تؤخذ فى الفراغ، لكل مجتمع خصوصياته، المعيار هو عمق التواجد والتجذر فى المجتمع، فضلا عن الدور التاريخى والتأثير الثقافى، مثلا الصابئة فى العراق أقلية محدودة جدا، لكن أصولهم عميقة وجذورهم ممتدة، بمعنى ما هم أصل العراق، والواضح أن أهل تنزانيا لم يسجنوا أنفسهم فى مقولات الأغلبية والأقلية.

 

 

ثالثًا: دخل الإسلام تنزانيا فى القرن الأول الهجرى، وقد انتشر عن طريق التجار والمتصوفة، أى أنه متجذر هناك ثقافيا واجتماعيا، دخل وانتشر من باب الحب والخدمات الاجتماعية، ودخلت معه كذلك الثقافة العربية، ويحسب للمسلمين هناك تمسكهم بالاعتدال والتعايش بحب مع الآخرين، لم تصل إليهم الملوثات الثقافية لجماعات التشدد والتطرف، لذا تقبلوا وجود سيدة رئيسة للدولة، ولنا أن نتخيل لو أنهم صاحوا فيها: لا ولاية للمرأة، أو أن المرأة تحرم من الولاية العظمى.. إلى آخر تلك التخريجات، التى تتردد على ألسنة وعقول دعاة ما يسمى الإسلام السياسى.. هل كانت ستواصل الطريق؟!.

 

 

كانت السيدة سامية صلوحى نائبًا فى البرلمان ثم وزيرا ثم نائبا للرئيس، ولو أن هناك تربصا حقودا بها من ظلاميين حقودين وجهلة أدعياء، هل كان ممكنا لها أن تكمل طريقها حتى النهاية؟.. لنتأمل حالة سامية ونقارنها بحالات أخرى فى بلادنا، مثل القبطانة المصرية الشابة مروة السلحدار، التى لاتزال فى بداية طريقها المهنى، لكن التربص الحقود يحيط بها، فيلصق بها ثعابين السوشيال ميديا أنها السبب فى جنوح سفينة فى قناة السويس الأربعاء الماضى، ثم انهالوا عليها بسمومهم وبذاءاتهم، فيصبح كل همّها أن تدافع عن نفسها وتنفى ذلك الاتهام، ثم تتحرك فيما بعد وهى تدرك أن الحقد وكراهية وجودها يحيط بها. بالتأكيد سوف ينعكس ذلك عليها وقد يكون سلبيًا، هذا ليس كراهية للقبطانة بذاتها، بل كراهية ورفض لوجود المرأة فى الحياة العامة.

 

 

تعرضت مروة لهذا وهى فى أول الطريق، ليست الوحيدة فى التعرض للمكائد العفنة ومواجهة التربص الحقود، كم من سيدات وفتيات كن ناجحات وتم قطع الطريق أمامهن بمكائد ووشايات صغيرة لتدمير مستقبلهن!. «مروة» قبطانة فى قناة السويس، وقام السيد رئيس الجمهورية بتكريمها، ماذا إذا قررت جماعات كراهية النجاح عموما وكراهية المرأة تحديدا التربص ومحاولة تصفيتها بشائعة رخيصة؟، ماذا لو أقدم الرئيس على اختيار سيدة لرئاسة الوزراء أو أى موقع آخر رفيع بالدولة؟!.

 

 

بالتأكيد لم تقابَل سامية بمثل هذا التربص الحقود ولا تلك الظلامية فى الفكر والروح، لذا مضت فى طريقها.

Rochen Web Hosting