رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

حصاد الاختيار

قسم : مقالات
الجمعة, 21 مايو 2021 10:39

جاء صوت أم كلثوم كما يأتى دائما وكأنه فاتحة لمشهد آخر أو عهد جديد أو عصر وصل فيه الناس إلى محطة عليهم أن يتوقفوا فيها قليلا لكى يقدروا ما فات ويعدون الحصاد. كانت الأغنية يا ليلة العيد آنستينا وكأنها تمسح دمعات توالت وتدفقت على الحلقة الأخيرة من مسلسل الاختيار فى دورته الثانية؛ وربما لكى تذكرنا أن القضية ليست فقط ما جرى تسجيله من انتصارات، وإنما ما سوف يأتى بعدها من أعياد سعيدة. كانت القصة تسجيلا أمينا لما حدث فى البلاد منذ لحظات الاختيار العظيم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وما بعدها من أحداث جرى عرضها بأمانة كاملة بما فيها من انتصارات وإخفاقات، وما كان فيها من حزن وفرح، وما طرأ عليها دوما من قلق عميق مصحوب بإيمان لا يتزعزع أن الفئة المصرية سوف تنتصر على الفئة الخارجة. كل حلقة من الحلقات التى عرضت كانت تنتهى بسجل من صور الأبطال مصحوبة بتلك الحالة المصحوبة بالشغف واللهفة والحب العميق للوطن؛ والخونة الذين لم يكن جميعهم ممن انجرفوا وراء تفسير دينى مضلل، أو دعاية أجنبية تشكك فى كل ما ينجز، وإنما كان منهم من انحرف عن الطريق الوطنى وكفي. وبغض النظر عن الأداء الفنى الرائع الذى سوف يعطيه النقاد حق قدره، فإن المصداقية الإنسانية كانت أكثر مما هو معتاد حينما يبدو الأبطال نوعا من السوبر مان صاحب القدرات الخارقة. كان الأبطال أبطالا لأن كلا منهم كان إنسانا سويا قبل كل شيء بكل ما يعنيه ذلك من رغبة فى الحياة مع أسرة تستحق الحماية، وحب لشخصيات عليها أن تتآلف مع عالم يعيش كل وقته على حافة الاستشهاد. وقد كان هناك دائما ما يستحق الاستشهاد من أجله، الثأر أحيانا لصديق سقط على غير انتظار، وللقيام بعملية فارقة على طريق النصر، ولحماية مصر وتقدمها فى كل الأوقات.

 

وربما لم يكن غريبا أن يكون حصاد السنوات السبع الماضية كما جاء فى مسلسل الاختيار تسجيلا للمعركة ضد الإرهاب فى كل أشكالها وتنظيماتها ووسائلها الإرهابية التى لا تعرف شرفا ولا تقاليد؛ يسير جنبا إلى جنب مع مسيرة أخرى لبناء الوطن. عند نقطة البداية كان الإخوان قد أحرزوا نصرين: أولهما عندما تمكنوا من ثورة يناير وأخذوها إلى دستور يجعل من مصر إيران أخري، وثانيهما عندما وصل واحد منهم إلى الرئاسة رئيسا لمصر بلا رؤية ولا برنامج ولا شيء على الإطلاق إلا كم هائل من الضلال. ثورة يونيو وضعت خطا على الرمال فى التاريخ المصرى ينتهى عنده الإخوان ومعها التابعون من تنظيمات ما أنزل الله بها من سلطان، ويبدأ عندها تاريخ مصرى آخر تكون فيه تنمية كما لو لم يكن هناك إرهاب، وتكون فيه مقاومة الإرهاب كما لو لم تكن هناك تنمية ينبغى المحافظة عليها. كان الحصاد هو أنه لم يعد هناك وقت ليضيع فى التاريخ المصرى المعاصر، وأن المعارك لا تدار دائما بالفوز بالضربات القاضية، وإنما هى أحيانا تعنى تراكما فى النقاط يكون فيها الانتصار فى المعارك هو الضمان للانتصار فى الحرب. ومنذ جمعة التفويض فى ٢٦ يوليو حينما خرجت جماهير تسد وجه الشمس بدأ العد التنازلى لكى يتم احتواء الإرهاب ثم تقييده وحصاره ثم تراجعه إلى حواف الجريمة المنظمة. على الجانب الآخر كان البناء يجرى قدرا بعد قدر فى عام بعد آخر، وقبل أن يبدأ العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين بات واضحا، وعلى الأرض ورأى العين، أن الحقيقة التى لا يمكن إغفالها هى أن مصر تتغير، لم تعد كما كانت، وأمامها مستقبل مشرق. وحتى عندما جاءت كارثة الكورونا العالمية كان الاكتشاف أن ما تحقق كان كافيا لكى يقلل من الصدمة، وأكثر من ذلك يبقى التراكم والتقدم جاريا.

 

هذه المرة لم يكن مسلسل الاختيار وحده ساعة الحصاد؛ وإنما كانت هناك مسلسلات أخرى تجاوزت ما كان معتادا خلال الأعوام الأخيرة من سخف أحيانا، وتفاهة فى أحيان أخري، وما لا يرقى إلى التقدير فى أحيان ثالثة. كانت الحزمة من المسلسلات الجيدة التى يكمل التقدير التاريخى لما جرى مثل هجمة مرتدة والقاهرة كابول؛ وبعضها الآخر يأخذ بالمهمة كلها إلى الواقع المصرى بكل ما فيه من مشكلات وهواجس فى حالة المواجهة بين مصر التى نحبها، ونعشق ترابها، والعالم الذى سبقنا ونتمنى لو نلحق به (لعبة نيوتن). الحصاد هذه المرة لم يكن مسلسلا واحدا، ولا عدة مسلسلات، وإنما حالة من يقظة القوة الناعمة المصرية بدأت بالمشهد المهيب لموكب المومياوات الذهبى الذى أخذنا فى رحلة عبر زمان طويل قدره ستة آلاف عام فى ساعة واحدة. كان بناة الأهرام فى سالف العصر يكفونا الكلام عند التحدي؛ ولكن مصر بأجيالها الجديدة التى عرفت الثورتين الأولى والثانية، والحرب ضد الإرهاب، وعملية البناء واسعة الأرجاء التى ما تركت برا ولا بحرا، ولا شاطئا ولا سهلا، إلا وطرقت أبوابها بعمل من أعمال البناء. كانت خلطة الحصاد فى النهاية هى ما يليق بأمة عظيمة بكل ما فيها من دم وعرق ودموع حتى تأتى ساعة العيد.

 

ولكن الحصاد دائما ما ينبه إلى ساعة الزرع القادمة، وهى مؤشر على أن ما تحقق لا يزال أقل مما هو واجب تحقيقه لأن معركة مصر الكبرى لا تزال مع عصرها. هى معركة ليست فقط مع الذين يريدون شدها إلى الخلف بالإرهاب والعنف المادى والفكري، وإنما أكثر من ذلك مع هؤلاء المثبطين والمتقاعسين الذين يرون وراء كل سعى إلى التقدم خطرا. هى معركة فيها الكثير من السباق والمنافسة مع العالم التى لا يؤجل فيها عمل اليوم إلى الغد، ولا عمل هذه الساعة إلى ساعة قادمة انتظارا لمعجزة. راجعوا الحصاد واستمعوا إلى أم كلثوم ليلة العيد، وكل عام وأنتم بخير.

Rochen Web Hosting