رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

هل توجد حلول فنية لقضية السد؟!

قسم : مقالات
الأربعاء, 14 يوليو 2021 11:54

رغم أن مصر بذلت جهودا كبيرة من أجل شرح موقفها من قضية السد الإثيوبي، فإنه يبدو أن هناك حاجة لبذل مزيد من الجهد والشرح. سبب هذه الحاجة ما جرى فى جلسة الاستماع التى عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى يوم الثلاثاء ٢٩ يونيو الماضي. هذه الجلسة كانت مخصصة لمناقشة الشئون الخاصة بالدولة الإثيوبية وفى المقدمة منها أزمة إقليم «التيجراى» التى كانت قد بلغت ذروتها بسقوط العاصمة «ميكيلى» فى يد «جبهة التحرير الشعبية». وبعد أن جرى بحث هذا الموضوع انتقل المناقشون إلى قضيتى «سد النهضة» والنزاع الحدودى الإثيوبى السودانى على «إقليم الفشقة» المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فى الاجتماع كان «روبرت جوديك» القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية. وعند إدلائه بشهادته ذكر أن السد سيولد الكهرباء ومن ثم يؤدى إلى رفع الفقر عن ١١٠ ملايين نسمة من الإثيوبيين. وأضاف أن الولايات المتحدة مهتمة بأمن مصر والسودان المائي؛ وأن هناك حلولا «فنية» تخلق إمكانية أن تبنى إثيوبيا وتحصل على الكهرباء، وتحصل مصر والسودان على المياه. وذكر أن غياب الاتفاق يرجع إلى غياب «الإرادة السياسية» لدى الطرفين؛ وأشار إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تلعب دورا إيجابيا بينهما. عضو مجلس النواب الجمهورى من أصول عربية «داريل عيسى» ذكر أن آثار السد سوف تكون كارثية على مصر والسودان وتخلق حالة من الفقر المدقع. هذه الجلسة تعكس مجالا للتفاعل بين أطراف عدة، أكثر ما يهمنا منها الممثل لوزارة الخارجية الأمريكية. فلا يوجد فى شهادته التى غطتها مصادر إعلامية أى إشارة إلى أن الولايات المتحدة قامت «بتسهيل» – وقيل الوساطة – بين مصر والسودان وإثيوبيا. ولم تكن واشنطن وحدها على المائدة، بل كان موجودا البنك الدولى أيضا؛ وأكثر من ذلك تم التوصل إلى اتفاق بصدد جميع القضايا الأساسية فيما عدا آلية فض المنازعات الخاصة بما تم التوصل إليه، وتحدد موعد بالفعل للتوقيع النهائى على الاتفاق فى شهر فبراير ٢٠٢0. وما حدث أنه ساعة التوقيع على الاتفاق لم تحضر إثيوبيا، وقامت مصر بالتوقيع بينما تحفظت السودان على التوقيع وقتها لأنها تريد لإثيوبيا أن تكون موجودة. وهكذا فإن المؤكد أنه لم يكن هناك غياب للإرادة السياسية لدى مصر، بل إنها بعد مفاوضات صعبة قامت بالفعل بالتوقيع على الاتفاق عن طريق السفير سامح شكرى وزير الخارجية المصري. لم يكن مطلوبا من مصر أكثر من ذلك، ولا إرادة سياسية أكثر مراعاة لضرورة الاتفاق للأطراف المعنية، وتقديرا للدور الأمريكى والمنظمة الدولية الشاهدة على المفاوضات والاتفاقات. ثانيا أن تعريف قضية السد كان فيها تبسيط شديد ما بين مكافحة الفقر فى إثيوبيا واحتمالات الفقر فى مصر. فالحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك وهو أن النظر فى الخرائط يقول بوضوح شديد إن الكتلة السكانية الرئيسية للشعوب الإثيوبية تقع على الهضبة الإثيوبية المرتفعة على بعد قرابة ١٠٠٠ كم من الحدود الإثيوبية السودانية. نقل الكهرباء إلى هذا المرتفع وفى هذه المسافة كان يقتضى أن تقوم إثيوبيا ببناء البنية الأساسية اللازمة لنقل الكهرباء. ولم يحدث فى أى وقت من الأوقات أن اعترضت مصر لا على تنمية إثيوبيا ولا على إمداد الشعب الإثيوبى بالكهرباء. وفى الواقع أن وصول الكهرباء إلى الإثيوبيين يعنى أن المياه مرت لمصر والسودان وسقطت على التوربينات فتم توليد الكهرباء. الخلاف بين الطرفين قام حول احترام اتفاق المبادئ الموقع بين الطرفين عام ٢٠١٥، الذى لم يرد ذكر له فى أى مصدر إعلامى أنه ورد على لسان ممثل وزارة الخارجية، والذى جاء فيه أنه لا يحق لأى من الطرفين القيام بأى إجراءات ذات طابع أحادي، ومنها فترات وإجراءات ملء الخزان. وفى الملء الأول الذى لم تتم الموافقة عليه، إلا أن إثيوبيا صرحت بأن الملء السريع كان سببه الفيضان الكبير، وكإعلان عن حسن النية فإن مصر والسودان أعطيا الموافقة مع التحذير بعدم التكرار وهو ما تفعله إثيوبيا الآن. جوهر الخلاف كان دائما يخص حالة الجفاف عندما يقل المطر؛ وعما إذا كان الجفاف مستمرا أو متقطعا أو حدث لمرة واحدة، وقد جرى التفاوض بشأنها، وجرى الاتفاق بالشهادة الأمريكية، ولكن إثيوبيا رفضت التوقيع. ثالثا أن جوهر الخلاف هو أن مصر تصر على ما كان حقا تاريخيا خلال سبعة آلاف عام أن نهر النيل هو نهر دولى يصدق عليه ما يصدق على كل الأنهار العالمية الأخرى مثل الدانوب والراين والميكونج والأمازون وغيرها. وفى المقابل فإن إثيوبيا ترى فى نهر النيل حقا من حقوق السيادة، وأن المياه فى هذه الحالة تصبح مثل الثروات الطبيعية الأخرى تقع تحت سلطة الاحتكار الإثيوبية بحيث تقرر الطريقة التى تبادل بها الثروة الطبيعية بثروات طبيعية أخرى، أما ما جرى التوافق حوله فإنه يشكل «قواعد استرشادية» ليست ملزمة تقرر إثيوبيا مدى الاستناد إليها حسب الحالة والتوقيت. ما كان واجبا أن يعرفه مجلس النواب الأمريكى هو محاضر المفاوضات التى جرت تحت الرعاية الأمريكية والبنك الدولى، ويضاف إليها ما قامت عليه التقاليد الدولية فى هذا الشأن. والخاتمة الطبيعية لكل ذلك أن ترْك القيادة الإثيوبية على تعنتها لا يؤدى إلى صراع عسكرى مع مصر والسودان، وما حدث فعليا كان صراعا داميا بين حكومة إثيوبيا وشعب إثيوبى آخر فى إقليم «التيجراي». القيادة الإثيوبية هى التى لم يكن لديها إرادة التعاون والتنمية والبناء لا فى خارج إثيوبيا ولا داخلها.

Rochen Web Hosting