رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

محمود الكردوسي: قصيدة حب «الصحافة وسنينها»

قسم : مقالات
الجمعة, 20 أغسطس 2021 13:19

قلبى ليس لى.. أهديته لـ«بيسان ويارا»، كبدى ليس لى.. هو نصل حاد مغروس بخصرى حتى لا يتدفق نزيف الحروف. أنا «الحزن» فى هيئة إنسان، كلمات مبعثرة فى بلاط «صاحبة الجلالة»: لم ترقَ لتكون قصيدتى اليتيمة، ولم تنحنِ لتكون عشيقتى أو جريدتى.. هذه لغتى يا «أمى»، نبوءتى الفريدة: «دثِّرينى.. زمِّلينى».

 

[لا تقسُ على نفسك، فالطيبون هكذا.. لا يولدون ولا يتناسلون، بل تصنعهم شياطينهم ليلة اكتمال القمر (حيث يمارس المتدينون عاداتهم السرية.. ويقرأون أورادهم).

 

لا يضحكون بصوت مسموع إلا إذا تألموا أو فى الوحدة والحزن.

 

ولا يصلون إلى أماكنهم المفضّلة إلا إذا تاهوا أو ماتوا.

 

ولأنهم يستحون عادة من أدوار البطولة من الصعب أن يتركوا أثراً أو وصية لكنهم لا يتأخرون أبداً].

 

كانت هذه بضع كلمات كتبها «محمود الكردوسى» وهو يصعد إلى عرش الشجن، مكتسياً بحلة مرصَّعة بأوسمة الكفاح والنضال وأيام الصعلكة على «مقهى الحرية».. ومطرَّزة بحكايات الحب البريئة والبنت «أم المريلة الكحلى»، وحنين لرائحة الصعيد المنفى من ذاكرتنا وهو يتولى «إعادة صياغته» فى أول كتبه: «مرة واحد صعيدى».. من بين كلماته كانت تولد الثورة وهو «الطيب المتواضع الزاهد» وهو المتخلى عن موهبته.. الساكن على مقعده حتى تحسبه فارق عالم الأحياء!

 

من «الكردوسى» تعلمت فن «البورتريه الصحفى»، لكننى أعجز عن وصفه بالكلمات! الذكريات تتزاحم فى رأسى، تتنافس على محبته: (ماما بتقولك وسّعى الجوب).. (شفيقة عاملة لك حمام).. (نفسى أدخل مدرسة «عادل حمودة»).. (بحب السيما/ مجلة الفن السابع).. (زهقت، أنا مكتئب): أنت يا صديقى وُلدت مكتئباً (كرقعة حرير فى رداء صوفى).

 

[لما كنا صغيرين]: جاردن سيتى، مقر جريدة عربية، «البنت دى كتّيبة».. أنا؟ كان «محمود» يرى فىّ شيئاً لا أعرفه.. وفى نفس المقر بعد أكثر من عشر سنوات، كانت تولد أول جريدة ليبرالية مستقلة، الأساتذة: (مجدى الجلاد، محمود الكردوسى، محمود مسلم .. وآخرون) يتحلقون جميعاً حول «المانشيت الرئيسى»، والدكتور «أحمد محمود» له «اليد العليا».. هكذا تجمّعت أطراف الحلم أخيراً فى يد «الكردوسى»: تجربة شابة ملك جيلها، متمردة متحررة من قيود السلطة «مثل جنية البحر تزيّن لك الغرق».. وغرقنا جميعاً فى «الثورة وسنينها».

 

[أنا الذى قال لـ«مبارك» فى عز جبروته و«عز حديده»: «مازهقتش؟!». وبعد أن تركها طائعاً لينقذها.. سقطت وتشظت وتكالبت عليها كلاب السكك.

 

أنا الذى وجعنى ضياع هيبة مصر، ومزّقنى هتاف المرتزقة وتجار الثورات: «يسقط حكم العسكر».

 

أنا الذى هالنى منظرهم البغيض، وأربكنى خلط «الحسى» بـ«المقدس» فى خطابهم: لحى تتدلدل على كروش لا تشبع، وعيون جحظت بفعل الغل والشهوة.

 

أنا الذى خُدع: سميتها «ثورة» وهى رأس مؤامرة، وسميتهم «ثواراً» وهم أطفال شوارع: «لف.. وارجع»، واذكر «مبارك» بالخير كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً].

 

مثل «طفل عجوز» أمسك أخيراً بفارس من حلوى على «حصان أبيض»، وُلد «محمود» من جديد فى مقالات سياسية ملتهبة، وهو الابن الشرعى لقصائد الحب المفعمة بالتوتر واللعنة.. لم يكد يصافح النجاح حتى اختفطته من بيننا صرخة أم مصرية ملتاعة: «كبدى يا ولدى»!

 

لملم «الكردوسى» ما تمزّق من شرايين، وما تهشّم من ضلوع، وخرج هذه المرة «فارساً من دم ولحم» يمد شرايينه المثخنة بالجراح للوليد الجديد: «الوطن».

 

فى قلب هذه الجريدة وُلد «محمود الكردوسى»، مثل مارد كان يتحين لحظة الخروج من محبسه، هنا وجد الأشقاء والأحبّة، وهنا تجلت موهبته، امتلك بوصلة تغيير مساره لأن مصيره من مصير «الوطن».. توحدت القضية بالقصيدة، وتجسدت ملامح معشوقته «مصر»:

 

[أنا من فوّض، وراهن، ورفع لافتة: «انزل يا سيسى».

 

أنا جملة ربط فى لافتة بين وجهين و«كابين»: «عبدالناصر» و«السيسى».

 

أنا «تحيا مصر» بخط ليزر أخضر على واجهة مجمّع «التحرير»: مياديننا رُدّت إلينا].

 

 

Rochen Web Hosting