رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

عندما تولد وسط شجرة الورد الجورى

قسم : مقالات
الجمعة, 20 أغسطس 2021 13:25

هناك بعض من الأشخاص عندما تبدأ مشاعرهم فى التفتح وتدب الحياة والقدرة على التعرف على ما يلمسون بأناملهم وتزداد حاسة الشم لديهم وتتنوع الروائح داخل رئتهم وتتحول إلى مزيج رائع من النسمات، يدركون أين يعيشون وكيف، ويصبح لديهم يقين أنهم من السعداء وأصحاب الحظ الوفير والنعم غارقين فى الحب يتدسرون بالحنان والجمال واللمسات المشبعة المنعشة، يستنشقون عبير الورد والياسمين والفل والداليا واللافندر والأوركيد والبانسيه والنرجس واللوتس، فقد ولدوا فى بيت تشكلت جدرانه من أوراق الورد، فكان من الطبيعى والضرورى والجميل أن يكون سكانه من سيقانه وجذوره المغروسة بدقة وإتقان فى الأرض، مما يجعلها ثابتة دائماً تقاوم الهواء ومداعباته لها، وتهتز مع كل نسمة منه، لكن بدلال ورقة وفتنة وكأنها فتاة صغيرة تتهادى بخطوات ناعمة تدعو الآخرين للنظر إليها ومشاهدة مفاتنها بخجل ودلال وفرحة، كما تحتمل تلك السيقان حرارة الشمس بل وتستمتع بها، وفى كل حركة أو اهتزاز أو ميل أو انحناءة تنتشر رائحتها القوية الغنية المبهجة فى محيطها، فيعلم الجميع أنهم بالقرب منها أو أنهم جيران لبيت الورد الجورى.

ولقد تعلمنا فى معاهدنا كيف نزرع تلك الورود وما تحتاجه منا لتعيش وتزدهر وتنمو وأين نحتفظ بها ومتى نختار موعد زراعتها وأنواع ما تحتاجه من سماد لتعيش وتبقى أمام عيوننا تحدثنا عن قصص النجاح وتمنحنا الجمال والقدرة على الاستمتاع به وتقديره ومعرفة حجمه الحقيقى، إلا أننا وبكل أسف لا نملك أن نبقيه على قيد الحياة إلى ما لا نهاية أو على الأقل طوال حياتنا لتدوم تلك العلاقة المعجزة التى لا مثيل لها. واستمراراً للمنح والعطاء من كل ما يولد وسط أشجار الورد، يقول خبراء الزراعة إن هناك ما يعرف بخشب الورد وهو من أرقى وأغلى سلالة الأخشاب وينتج من نوع من صفوف الأشجار البديلة التى يصل ارتفاعها إلى ٢٥ متراً ويبلغ قطرها نحو ٣ أمتار، ومن صفاتها أنها تنمو بشكل مستقيم وتحمل زهوراً باللون الأبيض والوردى وتكون ثمرتها بنية اللون والجزء التاجى بيضاوى الشكل. واستكمالاً للكرم اللانهائى لدى كل ما يحمل اسم الورد وسط بطاقة هويته، فإن شجرة خشب الورد تعمل كوقود كما يتم استخدام خشبها فى صناعة الأثاث الراقى غالى الثمن والخشب الرقائق والآلات الموسيقية وما إلى ذلك، وقد اكتشف علماء الزراعة والوراثة أن زيت خشب الورد يحفز نمو الخلايا الجديدة فى تأكيد على أنه يضم كل ما يمثل العطاء والحياة والحب. ومن أجل كل تلك المعانى الجميلة يحتفل العالم الغربى يوم ١٢ يونيو من كل عام بيوم الوردة الحمراء فى احتفال سنوى برمز الحب والرومانسية، ففى الثقافة الغربية تعود أهمية الوردة الحمراء إلى الأساطير اليونانية والاعتقاد بأنها من صنع أفروديت، حيث تقول الأسطورة إن الزهرة نمت من الأرض وسقيت بدموع أفروديت ودماء حبيبها أدونيس.

أما الأساطير الرومانية فقد ربطت وجود تلك الورود الحمراء على الأرض بفينوس إلهة الحب التى جرحت قدمها وهى تجرى لتحذر حبيبها من مؤامرة ضده فتحولت دماؤها إلى أزهار حمراء متفتحة أينما لامست قدمها الأرض.

ولمن وُلدوا وسط أشجار الورد الجورى أقول إنه عندما تأتى لحظات الفقد والرحيل واقتلاع الجذور من الأرض، فإن الألم يزلزلنا ويهاجمنا خوفاً وهلعاً لم نعتَده من قبل، وتتغير الأحلام والأمانى وتصبح الذكريات هى الوسيلة الوحيدة للعودة لبيت الورد، فنحاول استحضار كل ما جمعناه وعشناه فى تلك الأيام، فلنذكر وقتها ما قاله أدونيس: «عندما تستسلم الوردة للشمس وتذوى تنثر الريح الغبار الذهبى وتقول للأرض عن أشلائها هذه أغنيتى رُدت إلىَّ».

 

Rochen Web Hosting