رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

هل انتهى زمن الشعر وجاء عصر الرواية ؟

قسم : مقالات
الجمعة, 10 سبتمبر 2021 10:28

 

كنا نتناول الغداء فى احد المطاعم اللبنانية الشهيرة فى لندن نزار قبانى وأنا وكان الحديث عن شعارات أطلقها بعض النقاد.. إن الثقافة العربية تعيش عصر الرواية وأن زمن الشعر قد انتهى.. يومها ضحك نزار كثيرا وهو يقول بعض النقاد عندنا الآن يشبهون تجار النواصى يطلقون الأحكام دون وعى أو علم أو مسئولية.. بقيت قضية الشعر والرواية قضية خلافية بين نقادنا ولم تحسم حتى الآن..

> إن الخلاف فى المواقف والآراء شيء وارد ولكن حين يتعلق الموقف بأحكام نقدية فإن الرؤى التعسفية والآراء الشاذة تفقد الكثير من الأمانة والموضوعية.. من حيث المبدأ فإن المقارنة بين الأشياء خاصة إذا كانت فنونا رفيعة لابد أن يقوم على التشابه والزمن والقامات.. وحين نتوقف أمام الشعر العربى إبداعا وتاريخا ورموزا فإن المسافات بعيدة جدا بين الشعر والرواية من حيث الزمن.. نحن أمام آلاف السنين تمثل عمر الشعر العربى وهو أقدم فنون الثقافة العربية وأعرقها.. إما الرواية فهى فن دخيل على الثقافة العربية وعمرها يزيد قليلا على مائة عام وربما اقل

> وإذا وقفنا أمام القامات فى الشعر العربى فسوف نتوقف طويلا أمام المعلقات السبع وهى الأطول عمرا.. ثم تجيء عصور مختلفة لكل عصر قاماته ورموزه وإبداعاته ولو أننا توقفنا أمام قامات الشعر العربى بكل عصوره فنحن نحتاج إلى مجلدات وهى فعلا تزين المكتبات العربية منذ مئات السنين.. ولا ادرى على أى أساس اصدر بعض النقاد مثل هذه الأحكام.. إن عمر الرواية العربية يتوقف عند قامة واحدة هو نجيب محفوظ وهو أطول قامة فى تاريخ الرواية العربية..

> إن هذا يكشف غياب المصداقية فى مثل هذه الأحكام التعسفية المتسرعة.. إن من الصعب إذا لم يكن من المستحيل أن نتوقف عند أسماء القامات الشعرية فى الشعر العربى لأنها كثيرة وكثيرة جدا فى حين أن قائمة الروائيين العرب الكبار لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. من هنا تصبح المقارنة أو التفضيل جريمة نقدية بل سقطه أخلاقية.. لا اعتقد أن الذين أصدروا مثل هذه الأحكام الظالمة يتابعون الإبداع الشعرى لأنهم انفصلوا عن واقعنا الثقافى الحقيقى وهربوا فى متاهات الحداثة.. بل إنهم غرروا بحشود من الشباب تحت شعارات براقة لرفض التراث والتنكر لكل الثوابت فى تاريخ الثقافة العربية..

> إذا كان الهدف من ترويج تلك الدعاوى هو الاعتراف بقصيدة النثر فإن الحكم للقارئ وليس لدعاوى النقاد.. والقارئ هو الذى يحكم على إبداع عاش آلاف السنين وإبداع مازال يعانى أمراض الطفولة والمراهقة.. إن القضية ليست خلافا حول الشعر والرواية ولكن الخلاف حول هدم التراث تحت دعاوى الحداثة.. وهذه قضية تتجاوز الصراع بين الشعر الحقيقى والشعر السائب كما كان يطلق عليه كاتبنا الكبير عباس العقاد.. ولكن شطط الأحكام يفسد كل الأشياء..

> إن الغرب لم يختلف يوما على الشعر والرواية وأيهما ابقى رغم انه كان رائداً فى الاثنين.. ولكن إفلاس بعض نقادنا جعلهم يطلقون الأحكام فى كل اتجاه بحثا عن بريق أو إثارة للخلاف.. إن شكسبير لم يختلف كثيرا عن برناردشو وحين سألوا شو عن رأيه فى شكسبير قال هو أطول منى وأنا وقفت على كتفيه.. كان نجيب محفوظ يعشق شعر شوقى ولم يتصور أن يقال يوما إن الرواية قد سبقت الشعر ما أكثر الجرائم التى ترتكب باسم النقد..

> إن أزمة النقد فى الثقافة العربية انه يخضع لأحكام شخصية وكثيرا ما كانت وراءه مصالح شخصية وهناك فرق من النقاد تم استغلالهم سياسيا .. وانقسمت الساحة إلى اتجاهات وتيارات ومصالح وكانت روائح النقاد تفوح من سطورهم.. وظهرت مدارس سياسية تمارس النقد لحساب نظم وأحزاب سياسية.. ولم يكن غريبا أن تختلط السياسة بالثقافة بالنقد وأن تجد أبواقا تمارس جميع الأدوار.. كان انقسام النقاد فى أحيان كثيرة لأسباب سياسية ولم يكن من اجل قضايا الفكر والإبداع ولهذا اختلطت الأدوار والقامات والمذاهب..

> لا احد يستطيع أن ينكر الرواية العربية فنا ودورا ورموزا.. ولكن ليس من العدل والأنصاف أن يكون ذلك لتشويه فن عريق مثل الشعر خاصة أن قامات الشعر العربى تملأ صفحات كثيرة.. مازلت اعتقد أن الكثير من المثقفين العرب مازالت تعبث خفافيش السياسة وأطماعها فى عقولهم وأن الحل الوحيد أن نمارس السياسة بعيوبها وأن نعيش الثقافة بترفعها.. إن القضية تبدو فى جوانبها بسيطة وعادية ولكن حين تتجاوز حدود النقد وتدخل دائرة الهدم هنا يصبح التراث هدفا والإبداع الحقيقى ساحة للمغامرين ونقاد الصدفة ..

> هناك دول عربية لم تقدم روائيا كبيرا ولكنها قدمت شعراء كبارا.. والشعر العربى فى كل العصور قدم عشرات الشعراء ولم يكن المتنبى أعظم شعراء العربية ولكن جاء بعده أمير آخر هو أحمد شوقى.. وكان نجيب محفوظ رائد الرواية العربية ولكن جاء يوسف إدريس والطيب صالح وفتحى غانم ويحيى حقى.. كانت الحديقة مليئة بالأشجار والزهور والنخيل شعرا ونثرا ولم يفرق احد بين شعر ورواية ولهذا فان التفضيل إفلاس حقيقى.. لأن المطلوب أن نفتح الأبواب من اجل إبداع حقيقى بعيدا عن أحكام مجحفة أو مواقف متسرعة..

> بقيت عندى اربع نقاط..

أولهاً : إن هناك فهما خاطئا لدى البعض لمفهوم الحداثة أنها ضد الجذور والثوابت والحداثة لا يمكن أن تكون ضد مكونات الشعوب تاريخا وحضارة.. والشعوب التى فرطت فى ثوابتها تحت دعوى الحداثة خسرت الماضى والحاضر معا..

ثانيها : إن المغامرات والشطط ينبغى ألا يكون فى مغامرات نقدية ساذجة ويجب أن تخضع لمقاييس موضوعية ومنهجية عاقلة..

ثالثها : يجب ألا نأخذ مثل هذه الأحكام والمواقف بجدية وأن نتعامل معها بقدر من الحكمة والاتزان لأنها فى النهاية شطحات فكر يصعب أن تكون أحكاما قاطعة..

رابعها: من الخطأ أن يتصور البعض أنهم رواد الحداثة فى الثقافة العربية لأن هناك موجات سبقت كل هذه الدعوات.. كان طه حسين يفتح الأبواب للحداثة حين طرح رؤاه النقدية فى كتابه الشعر الجاهلى وحين تأثر توفيق الحكيم بالمسرح الفرنسى أو رشاد رشدى وزكى نجيب محمود بالأدب الانجليزى والفلسفة الغربية حتى مختار فى فنه العظيم كان حداثياً وهناك عدد كبير من الفنانين درسوا فى أكاديميات الغرب وعادوا بفكر ورؤى حداثية..

> إن هدم المعبد ليس من الحداثة فى شيء إلا إذا كان الهدف اقتلاع الجذور وإهدار الحقيقة.. ولابد أن نعترف بأن الحداثة لم تكن فقط انجازا مصريا وكيف نتجاهل دور لبنان ودول المغرب العربى والمهاجرين من الشعراء والكتاب والمفكرين وقد أسهموا فى فتح آفاق جديدة للإبداع فى الثقافة العربية..

> إن الناقد النزيه قاض يجلس على منصة العدالة فإذا عدل فله الأجر وإذا تجاوز فإن حسابه عند الله.. كانت هذه قصة حوار مع نزار قبانى فى لندن ويومها كان نزار ساخرا متعجبا رافضا بعض أحكام نقادنا.. زمن الشعر انتهى وإننا نعيش زمن الرواية.. ويومها ضحكنا كثيرا.

 

 

ويبقى الشعر

 

نَغَمٌ أنـَا ..

يَنسَابُ مِنْ شَفتـْيـِكِ

تهْدأ وشوَشاتُ الموجِ

تسْكن همهَماتُ الريح ِ

تنطلقُ العصافيرُ الجَميلة ُ

فى سَماءِ الكـَوْن ِ

يطوى الصَّمتُ أعناقَ الشجرْ

هلْ تهربينَ مِن ارتعاش القلبِ

مِنِ صَخبِ الحنين

مِنِ اندلاع ِ النورِ

فى القلبِ الحزِين المنكسرْ ؟

***

حلمٌ أَنـَا ..

هل تكرهينَ مواكبَ العشـَّاق ِ

والأشواقُ ترقصُ فى ركابِ الحُلم ِ

والزمن الجميل المنتظـرْ

أم تندَمين على الزمان ِ وقدْ مَضَى ؟!

مَنْ يُرجعُ الأيامَ يا دنياىَ ؟!

لنْ يُجدى البكاءُ ..

على زمَان ضاعَ منـَّا.. وانـْدَثرْ

***

خوْفٌ أنـَا..

ماذا سيفعلُ عاشقٌ

والليلُ يطردهُ إلى الآفاق ِ!

تتبعهُ جيوشُ الحزن..

تتركـُه بقايا بينَ أشلاءِ العُمرْ

فى أىّ جُرح ٍ فى ربُوع القلب

كنتِ تسافرينَ.. وتعبثينَ..

وجُرحىَ المسْكينُ فى ألم ٍ يئنُّ وَينفطـْر؟

سَفرٌ أنـَا..

إنى أراكِ على رحيل ٍ دائم ٍ

وأنا الذى علمَّتُ هذا الكوَن

ألحانَ الرحيل..

وكانَ شعرى أغنياتٍ للسفرْ

كمْ عشتُ أرسمُ فى خيالى

صورة العمر الجميـِل

وصرتُ مثل الناس

تمثالا ًمن الشمْع الرَّخيص

بأىّ سعر قد يُباعُ..

بأى سهمٍ.. ينكسرْ

***

ألمٌ أنا ..

لا شَىء فى البستانِ يبقى

حين يرتحلُ الربيعُ

يَشيخُ وجهُ الأرض

تصمتُ أغنياتُ الطير.. يرتعدُ الوترْ

فى روضة العشاق

أرسُمُ ألفَ وجهٍ للقاءِ..

وألفَ وجهٍ للرحيلِ..

وألفَ قنديلٍ..

أضاء العمرَ شوقـًا.. وانتحرْ

***

حُزنٌ أنا ..

إنى لأعرفُ أنَّ أحزانى

ضبابٌ يملأ الكونَ الفسيحَ

يسدُّ عينَ الشمس ِ

يَخْبُو الضوءُ فى عَينى

فلا يبدو القمرْ

أنسابُ فى صحراءِ هذا الكون

تنثرنى الرياحُ.. وتحتوينى الأرضُ

ثم أعودُ أمطارًا يبعثرها القدرْ

***

وهمٌ أنا..

ليلٌ..وأغنية.. ونجمٌ حَائرٌ

قد كان يتبعنى كثيرًا..

ثم فى سَأم ٍ عَبرْ

سطـَّرتُ فوقَ الشمس أحلامى

وفوق اللافتاتِ البيض ِ..

فى الطرقاتِ.. فـَوقَ مرايل الأطـْفال

رَغـَم الصَّمتِ.. أنطقتُ الحَجرْ

ماذا سأفعلُ والزمانُ المرُّ

يُسكـُرنى من الأحزان ِ

والأملُ الوليد يُطل فى عينى

ويخذلنى النظرْ ؟!

سافرتُ ضوءًا فى العيون

وعدتُ قنديلا ًحزينـًا ..

ينتشى بالحُلم ِ أحيانـًا

ويطفِئهُ الحذرْ

***

هذا أنا ..

سفرٌ.. وأشواقٌ.. وقلبٌ هائمٌ

وشراعُ ملاح ٍ تهاوى.. وانكسرْ

ضوءٌ يُطلُّ على جبين الأرض

نارٌ فى الضلوع.. لـَهيبُ شوق يستعرْ

دمعٌ أمام العشبِ ينزفُ.. تنبتُ الأوراقُ

تحملها الرياحُ إلى الفضاءِ

ويحتويها الموتُ فى صمت الحُفرْ

روحٌ تـُحلــّقُ..

فوق أنفاسى تلالٌ من جليدٍ

فوق أقدامى جبالٌ من حديدٍ

بين أعماقى حنينٌ للسفرْ

***

هَذا أنا..

بالرغم من كلّ العواصفِ

تهدأ الأشجارُ أحيانـًا

وتترك نفسها للريح ِ أحيانـًا

فيسْكـُرها المطـْر

سأعيشُ فى عينيكِ يومًا واحدًا

أنسى به الزمنَ القبيحَ..

أطهرُ الجسدَ العليلَ..

أذوبُ فيكِ.. وأنصهرْ

يَومٌ وحيدٌ فى ربوعكِ أشتهـِيهِ

بغير حزن ٍ.. أو هموم ٍ.. أو ضجرْ

يومٌ وَحيدٌ فى ربوعِكِ أشتهيهِ

وَسوف أمضِى ليسَ يَعنِينـِى

زَمانٌ..

أو مكانٌ..

أو بشرْ

 

Rochen Web Hosting