رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

«عش الحياة»

قسم : مقالات
الأحد, 26 سبتمبر 2021 20:30

«لا يمكن تجاهل الانتحار، فكل حالة انتحار هى مأساة بحد ذاتها. واهتمامنا اليوم بمسألة الوقاية من الانتحار أهم من أى وقت مضى بعد مرور أشهر عديدة على التعايش مع جائحة كوفيد 19، وما يرتبط بها من عوامل خطر عديدة للانتحار، مثل خسارة الوظائف والضغوط المالية والعزلة الاجتماعية، وجميعها ما زالت ماثلة بقوة». هكذا صرّح مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، فى يونيو الماضى، مع صدور تقرير الأمم المتحدة الراصد لحالات الانتحار فى العالم فى 2019، وكيف أنه رابع أهم الأسباب الرئيسية لحدوث الوفاة.

 

وأشار التقرير إلى تفوق الانتحار على أسباب أخرى، كالإيدز والملاريا وسرطان الثدى، فى أسباب الوفاة، فوفقاً لتقديرات عام 2019 فقد انتحر أكثر من 700 ألف إنسان! بما يعنى أن من بين كل 100 وفاة هناك حالة وفاة بسبب الانتحار. وهو ما دفع بمنظمة الصحة العالمية، حسب موقعها الرسمى، لإصدار مجموعة من الإرشادات لتحسين سبل الوقاية والرعاية لمن يتملك الحزن منهم إلى درجة إقدامهم على الانتحار.

 

وصاغت المنظمة تلك الإرشادات تحت عنوان «عش الحياة»، وتشتمل على أربع استراتيجيات، هى تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار مثل المبيدات شديدة الخطورة والأسلحة النارية، وتثقيف وسائل الإعلام بشأن الصياغة المسئولة للتقارير عن الانتحار، وتعزيز مهارات الحياة الاجتماعية - العاطفية لدى اليافعين، والتعرف المبكر على حالات تبدى أفكاراً أو سلوكيات انتحارية وتقييمها وإدارتها ومتابعتها. وهو ما يعنى مسئولية مجتمعية وأسرية لمواجهة تلك الحوادث.

 

تدرك مع صفحات التقرير أن لا جنسية للانتحار، فهو يحدث فى الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. وأنه على الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية، وفى مقدمتها الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطى الكحول، فإن كثيراً من حالات الانتحار تحدث باندفاع فى لحظات الأزمة عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشكلات المالية، أو الانفصال أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة.

 

أتوقف هنا عند حالتى الانتحار الأخيرتين اللتين سمعنا عنهما فى مصر، إحداهما لفتاة من الصعيد ضجّت من التضييق الشديد عليها، فهربت إلى القاهرة لتقع فى يد من لم يرحم احتياجها للأمان، والأخرى آلمتنا بخبر انتحارها هى الأخرى نتيجة ضغوط نفسية كما قالت التقارير.

 

هنا أتوقف مجدداً مع الأهل ودورهم فى الاحتواء دون قتل للروح، والنصيحة والمصاحبة دون تضييق فى رؤية، والإنصات والحديث مع أبنائهم منذ الصغر وحتى الكبر، فما أحوج أبنائنا لنا ولأحضاننا ورعايتنا وحبنا واهتمامنا دون إفراط أو تفريط. نحتاج للوجود فى حياة أبنائنا بما تعنيه الكلمة لا بما توفره الإمكانيات.

 

ثم أتوقف عند كل نبّاش منح نفسه حق الحكم على من انتحر فوصفه بالكفر أو تعرّض لحياته السابقة دون علم. لأقول: لا تحكموا على أحد، فمن خلقه أعلم به وبمصيره. ادعوا له بالرحمة، ولأنفسكم بالثبات مع أزمات الحياة، واحضنوا عيالكم وطبطبوا عليهم واسمعوهم.

Rochen Web Hosting