رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

العصر ليس صلاة العصر

قسم : مقالات
الجمعة, 04 فبراير 2022 10:37

 

نعم، العصر فى سورة العصر يعنى العصر الزمنى وهو يمثل حقبة زمنية محددة بملامح نشاط بشرى فى مدة زمنية محددة تتميز بها عن غيرها. ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب [لعنه الله] وذلك بعد ما بُعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يسلم «عمرو» فقال له «مسيلمة»: ماذا أُنزل على صاحبكم فى هذه المدة؟ قال: لقد أُنزل عليه سورة وجيزة بليغة.

فقال: وما هى؟ فقال: «والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» ففكر «مسيلمة» هنيهة ثم قال: وقد أنزل علىّ مثلها.

فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز نقز، ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أنى أعلم أنك تكذب، وقد رأيت أبابكر الخرائطى أسند فى كتابه المعروف بـ«مساوئ الأخلاق» فى الجزء الثانى منه، شيئاً من هذا أو قريباً منه، والوبر: دويبة تشبه الهر، أعظم شىء فيه أذناه، وصدره وباقيه دميم.

فأراد «مسيلمة» أن يركّب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان فى ذلك الزمان.

تفسير قوله تعالى ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ تفسيرها أن الله عز وجل يقسم بالعصر الذى هو الدهر، لأن الدهر زمن الحوادث والوقائع المختلفة، ومن ثم أقسم الله به، أقسم على أن الإنسان فى خُسر، والإنسان هنا يراد به الجنس، فكل إنسان فى خسر، لا يستفيد من حياته شيئاً، ولا من عصره شيئاً، إلا من جمعوا هذه الأوصاف الأربعة ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾، ﴿وعملوا﴾ أى: صدقوا بما يجب التصديق به مع القبول والإذعان، فالإيمان الشرعى ليس هو مجرد تصديق، بل هو تصديق خاص مستلزم للقبول والإذعان ﴿وعملوا الصالحات﴾ يعنى عملوا الأعمال الصالحة، ففى الحديث القدسى الذى رواه أبوهريرة، عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معى غيرى، تركته وشركه» ومن أخلص لله عز وجل ولم يبتغِ سوى وجه الله، لكنه لم يتبع النبى صلى الله عليه وسلم، وعدم اتباع النبى يكون بأمرين: إما بعدم فعل ما يشرع فعله، إما أن يكون فواتاً مبطلاً للعبادة، وإما بابتداع شىء فى دين الله لم يشرعه النبى صلى الله عليه وسلم، مثال الأول: لو أن رجلاً صلى الظهر، ولكنه تعمد ترك التشهد الأول، فإننا نقول: إن هذا العمل باطل، لأنه لم يتبع فيه النبى، حيث ترك التشهد الأول عن عمد، وكذلك لو صلى الظهر، وترك سجدة من السجدات، أو ركوعاً من الركعات، فإنه لا يكون عمله صحيحاً، لأنه لم يكن متبعاً للنبى صلى الله عليه وسلم بذلك، ولو ابتدع فى دين الله ما ليس منه، كما لو أحدث تسبيحات، أو تهليلات، أو تكبيرات، أو تحميدات، على وجه معين لم ترد به الشريعة، أو أحدث صلوات على النبى على وجه معين لم ترد به الشريعة، كان عمله غير صالح، ولا مقبول، لأنه لم يتبع النبى فى عمله، والعبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا إذا كانت موافقة للشرع فى سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها، فإن اجتمعت فى العبادة هذه الأوصاف، أو إذا تحققت الموافقة للشريعة فى هذه الأمور الستة تحققت المتابعة، وإن اختل واحد منها، لم تتحقق المتابعة ﴿وتواصوا بالصبر﴾ الصبر هو حبس النفس وتحميلها، والصبر هذا هو أقل الأنواع شأناً، لأن الصبر هذا لا يفعل الإنسان فيه المصبور عليه باختياره، وإنما يقع عليه بغير إرادته، وهو كما قال بعض السلف: إما أن يصبر صبر الكرام، وإما أن يسلو سلو البهائم، بخلاف القسمين الأولين، فإنهما يستعين فيهما نوعاً من الاختيار، إذ إن الإنسان لو شاء لكف عن الشىء، ولو شاء لم يكف، ولو شاء لفعل الشىء، ولو شاء لم يفعله، بخلاف أقدار الله عز وجل، فإنها تأتى للإنسان، وتصيبه بغير اختياره، ولهذا كان هذا النوع أقل شأناً، أو كان هذا القسم أقل شأناً من القسمين السابقين.

Rochen Web Hosting