رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

إبراهيم خليل الله (2)

قسم : مقالات
الأحد, 20 فبراير 2022 21:01

هجرة إبراهيم إلى مكة

أهدت سارة زوجها إبراهيم «هاجر» الجارية، ليتزوجها، فحملت منه، وأنجبت نبى الله إسماعيل، عليه السلام، ولأن سارة كانت عاقراً فقد غارت من هاجر، فأخذ إبراهيم هاجر وابنها، وخرج بهما إلى الشام، ثم إلى مكة المكرمة وتركهما هناك، ثم عاد، وحين نفد ما كان عندهما من الماء والطعام، صار طفلها يتلوى من شدة العطش، وطفقت هاجر تسعى بين جبلين، وهما ما يعرفان بالصفا والمروة، وتدعو الله، فأتاها جبريل بعد أن أنهت سبعة أشواط عند موضع زمزم، وفجر لها بأمر الله ماء زمزم، فجعلت تحوطه بيدها.

أما قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، فقد مرت السنون وهاجر فى مكة، ولما كبر إسماعيل، عليه السلام، وبلغ أشده، رأى إبراهيم فى المنام أنه يذبحه، فامتثل لأمر الله، وأخبر ابنه برؤياه، فامتثل الآخر لأمر الله، وحين وضعه على الأرض، وأمسك السكين ليذبح ابنه، أنزل الله ذبحاً عظيماً فداء له، إذ لم يكن القصد إزهاق روح إسماعيل، بل كان ابتلاء من الله لهما ليرى إخلاصهما، واستسلامهما لأوامره.

بناء إبراهيم الكعبة مع ابنه إسماعيل

بين الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل أساسات البيت الحرام التى كانت قد دُفنت فى الأرض منذ وقت طويل، ثم أمرهما ببناء الكعبة المشرفة، فكان إسماعيل يجمع الحجارة، ويأتى بها إلى أبيه الذى كان يرفع البناء، فلما ارتفع البناء وضع إبراهيم حجراً ووقف عليه، وقد عرف هذا المكان بـ(مقام إبراهيم). وتجدر الإشارة إلى أنهما عليهما السلام كانا يبنيان الكعبة، ويدعوان الله تعالى ويقولان (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقد طهرا البيت مما لا يليق به من النجاسات، والقذارات، امتثالاً لأمر الله، ليكون مكاناً مناسباً للصلاة، والعبادة، ودعوا الله أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة موحدة لله لا تشرك به شيئاً، فاستجاب سبحانه لهما، وجعل فى ذرية العرب من نسل إسماعيل أمة موحدة، كما بعث من ذريته محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ورد فى قوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

بعض العبر المستفادة من قصة سيدنا إبراهيم

تُستقى العديد من الفوائد والعِبر من قصة إبراهيم، ومنها أهمية توحيد الله، واتباع ملة إبراهيم الحنيفى، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، والاقتداء به فى إخلاصه، وعبادته لربه، محبة الله لإبراهيم، إذ نعت بالخلة، وهى صفة لم تكن إلا للخليلين: محمد، وإبراهيم، عليهما الصلاة والسلام.

إكرام الله للنبى إبراهيم

فقد جعل النبوة فى ذريته، واختاره ليكون الشخص الذى يبنى البيت الحرام، كما وهب له الذرية بعد الكبر، وجعل ذكره فى الآخرين مستمراً، رفع الله قدر إبراهيم بالعلم، واليقين قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ). الإذعان والاستسلام لأوامر الله، حيث ظهر ذلك فى قصة الذبح، معرفة إبراهيم بأساليب المناظرة، وإقامة الحجة على المُخالفين، ولكن بأدب.

دعاء الله بصلاح الذرية وشكره عليها، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)، والأخذ بالأسباب، والسعى فى تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، وسؤال الله التوفيق فى ذلك. مشروعية إكرام الضيف، كما ورد فى إكرامه لضيوفه من الملائكة، ومشروعية السلام، ووجوب رده، ومشروعية السؤال عن أسماء الذين يتعامل معهم الإنسان من صاحب، أو ضَيف، أو نحوه، قال تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ)، الثناء الحسن، والنجاة يوم القيامة لمن سلم قلبه من الشر، وامتلأ بالخير كإبراهيم، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

السور التى ذُكرت فيها قصص سيدنا إبراهيم

ذكرت قصص الأنبياء كقصص سيّدنا إبراهيم، عليه السلام، فى مجموعة من السور القرآنية الكريمة، ففى سورة البقرة وردت قصّة بنائه للكعبة مع ابنه إسماعيل، عليهما السلام، ومحاججته للنمرود الذى ادعى القدرة على إحياء الموتى، وقصّته مع الطيور الأربعة، أما فى سور: الأنبياء، والشعراء، والزخرف، والصافات، والأنعام، فقد وردت دعوته لأبيه وقومه بترك عبادة الأصنام، وعبادة الله وحده، وفى كل من سورة الممتحنة، ومريم، والتوبة ورد عدد من الآيات التى توضح نقاشه مع أبيه، ودعوته إياه، أما قصته مع الملائكة فقد وردت فى سورة الذاريات، وهود، والحجر، وفى سورة إبراهيم بيان لقصة هجرته مع زوجته، وابنه.

سِن تكليف إبراهيم عليه السلام بالدعوة

وردت فى القرآن الكريم آيتان تشيران إلى عمره حين بُعث، أما الأولى فهى قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)، والثانية قوله تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)، وفى تأويل الكلمات (فتى) و(رشد) و(من قبل) الواردة فى الآيات الكريمة أقوال، منها تدل كلمة (الرشد) على الاهتداء إلى ما فيه خير، وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الرشد يؤتى للأنبياء قبل النبوة، فيبعثون على أفضل حال من الهداية، والعقل، والتوفيق.

يعنى مصطلح (من قبل) أنه قد سبق موسى وهارون، عليهما السلام، بالنبوة، أو أنه أوتى النبوة قبل بلوغه، أو أن الله آتاه النبوة فى علمه السابق، لكل شىء قبل أن يخلق من صلب آدم.

تدل كلمة (فتى) على أنه بعث قبل الأربعين من عمره، أى فى سن صغيرة، وقال ابن عباس إن الله يبعث الأنبياء شباباً. ويُشار إلى أن الله أرسل إلى إبراهيم أيضاً صحفاً، قال تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى)، وقد ذكر الله تعالى فى سورة الأعلى خبر الصحف الأولى، حيث قال: (إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى).

Rochen Web Hosting