رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

مَن أصحاب الصراط السوى؟

قسم : مقالات
الإثنين, 21 مارس 2022 22:36

{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِىِّ وَمَنِ اهْتَدَى}، «الآية 135 سورة طه».

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد كلكم أيها المشركون بالله «متربص»، يقول: منتظر لمن يكون الفلاح، وإلى ما يئول أمرى وأمركم، متوقف ينتظر دوائر الزمان، «فتربصوا» يقول: فترقبوا وانتظروا، فستعلمون من أهل الطريق المستقيم المعتدل الذى لا اعوجاج فيه إذا جاء أمر الله وقامت القيامة، أنحن أم أنتم؟ «ومن اهتدى» يقول: وستعلمون حينئذ من المهتدى الذى هو على سنن الطريق القاصد غير الجائر عن قصده منا ومنكم. «قل كل متربص فتربصوا» أى قل لهم يا محمد كل متربص، أى كل المؤمنين والكافرين منتظر دوائر الزمان ولمن يكون النصر، «فستعلمون من أصحاب الصراط السوى ومن اهتدى» يريد الدين المستقيم والهدى، والمعنى: فستعلمون بالنصر من اهتدى إلى دين الحق.

قال النحاس: والفراء يذهب إلى أن معنى «من أصحاب الصراط السوى» من لم يضل، وإلى أن معنى «ومن اهتدى» من ضل ثم اهتدى، وقرأ عاصم الجحدرى (فسيعلمون من أصحاب الصراط السوى) بتشديد الواو بعدها ألف التأنيث على فعلى بغير همزة، وتأنيث الصراط شاذ قليل، قال الله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) فجاء مذكراً فى هذا وفى غيره، وقد رد هذا أبوحاتم قال إن كان من السوء وجب أن يقال السوأى، وإن كان من السواء وجب أن يقال السيا بكسر السين والأصل السويا، قال الزمخشرى وقرئ (السواء) بمعنى الوسط والعدل، أو المستوى، وجواز قراءة يحيى بن يعمر أن يكون الأصل (السوأى) والساكن ليس بحاجز حصين، فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها واواً كما يبدل منها ألف إذا انفتح ما قبلها. ثم قال تعالى (قل) أى يا محمد لمن كذبك وخالفك واستمر على كفره وعناده «كل متربص» أى منا ومنكم «فتربصوا» أى فانتظروا «فستعلمون من أصحاب الصراط السوى» أى الطريق المستقيم «ومن اهتدى» إلى الحق وسبيل الرشاد، وهذا كقوله تعالى (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:42] (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ) [القمر: 26] «قل كل متربص» منتظر دوائر الزمان، وذلك أن المشركين قالوا نتربص بمحمد حوادث الدهر، فإذا مات تخلصنا، قال الله تعالى (فتربصوا) فانتظروا (فستعلمون) إذا جاء أمر الله وقامت القيامة (من أصحاب الصراط السوى) المستقيم (ومن اهتدى) من الضلالة نحن أم أنتم؟

ولأن قولهم {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} يقتضى أنه لم يأتهم بآية على صدقه، ولا بيّنة على حقه، وهذا كذب وافتراء، فإنه أتى من المعجزات الباهرات، والآيات القاهرات ما يحصل ببعضه المقصود، ولهذا قال {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} إن كانوا صادقين فى قولهم، وأنهم يطلبون الحق بدليله {بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى} أى هذا القرآن العظيم، المصدق لما فى الصحف الأولى، من التوراة والإنجيل، والكتب السابقة المطابق لها، المخبر بما أخبرت به، وتصديقه أيضاً مذكور فيها، ومبشر بالرسول بها، وهذا كقوله تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فالآيات تنفع المؤمنين، ويزداد بها إيمانهم وإيقانهم، وأما المعرضون عنها المعارضون لها فلا يؤمنون بها، ولا ينتفعون بها، {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ}، وإنما الفائدة فى سوقها إليهم ومخاطبتهم بها، لتقوم عليهم حجة الله، ولئلا يقولوا حين ينزل بهم العذاب {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} بالعقوبة، فها قد جاءكم رسولى ومعه آياتى وبراهينى، فإن كنتم كما تقولون فصدقوه.

قل يا محمد مخاطباً للمكذبين لك الذين يقولون تربصوا به ريب المنون {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} فتربصوا بى الموت، وأنا أتربص بكم العذاب {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}أى الظفر أو الشهادة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}{فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} أى المستقيم {وَمَنِ اهْتَدَى} بسلوكه، أنا أم أنتم؟ فإن صاحبه هو الفائز الراشد، الناجى المفلح، ومن حاد عنه خاسر خائب معذب، وقد علم أن الرسول هو الذى بهذه الحالة، وأعداؤه بخلافه، والله أعلم.

Rochen Web Hosting