رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

انقلاب فى ألمانيا!

قسم : مقالات
الخميس, 15 ديسمبر 2022 12:49

 

 

الانقلابات ليست تخصص عالم ثالث فقط، فى ظل ما نشهد من «انقلابات» فى كل ما اعتقدناه ثوابت، وجدنا أيضًا أن الانقلابات ليست بعيدة عن بلاد العالم الأول، رأينا الأمر فى شكل هزلى عندما سعى مناصرون للرئيس الأمريكى السابق ترامب لاقتحام مبنى «الكابيتول» اعتراضًا على نتيجة الانتخابات الرئاسية السابقة، ورأيناها منذ أيام فى ألمانيا فى شكل أكثر هزليًا، لكن دلالاته فى منتهى القسوة على بلاد اعتبرناها فى عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية مثالًا للنهضة والفكر والقوة والديمقراطية.

القصة تقول إن شخصًا ثريًا يبلغ من العمر 71 عامًا يعمل فى سمسرة العقارات، قاد مؤامرة للانقلاب على الحكومة الألمانية، استهدفت الاستيلاء على الحكم بالقوة وباستخدام أسلحة ومتفجرات، وإعدام المستشار شولتز. وقد استخدم هذا الشخص، الذى أطلق على نفسه «الأمير»، منزله الريفى بفرانكفورت فى استضافة أعضاء حركته التى تعتبر جزءًا من حركة «مواطنى الرايخ» التى تأسست فى 1949 وحُلت فى 1952، بل إن التحقيقات كشفت أنه سافر إلى بلدان فى أوروبا، وقد حصل بالفعل على دعم من بعض أثريائها، بل مر على سفارات دول بعينها لاستقطاب مناصرين، وقد نجح فى الحصول على أسلحة من جهات عدة، وكذلك استحوذ على هواتف متصلة بالأقمار الاصطناعية.

لم يكن هذا فيلمًا خياليًا يمزج بين الكوميديا والهزل، بل كان حقيقة، مثل الحقيقة التى رأينا عليها الأمريكيين المناصرين لترامب وهم يرتدون زى «الفايكنج» فى مبنى الكابيتول. قصة الانقلاب العجيب فى ألمانيا جعلت وزير الداخلية الألمانى يعتزم التشديد فى قوانين الحصول على أسلحة، وربما كذلك التعجُّل بقرارات حاسمة من الحكومة للدفاع عن المؤسسات التشريعية من هجمات قد تُرتكب فى المستقبل القريب بعد أن قال أغلب المتخصصين والمتابعين للشأن الأمنى الألمانى إن احتمالات العنف داخل الدولة صارت عالية جدًا.

المشهد الأقرب للعبثى يحمل دلالات مهمة، أولاها أن جماعة «الأمير» الألمانى هى فى الأصل جماعة يمينية متطرفة، وهذا يأتى ضمن موجة عاتية من صعود اليمين فى أوروبا، ردًا على سياسات تبدو غير مقنعة لدى الغالبية العظمى من الشعوب التى تختار اليمين فى الانتخابات.

ثانية الدلالات أن حركة «مواطنى الرايخ» التى خرجت من رحمها محاولة الانقلاب ينتمى إليها نحو 20 ألف شخص حاليًا، وفق آخر التقديرات، وأنها تستغل الأزمات الاقتصادية والسياسية التى تمر بها ألمانيا لتنفيذ أجندتها، أى أن هناك ثغرات تسعى الحركات المتطرفة للتغلغل من خلالها إلى باطن الدولة وعقلها.

آخر الدلالات فى رأيى هى أن المجتمعات الأوروبية حاليًا تمر بفترة حرجة، بعد جائحة الكوفيد والحرب الأوكرانية، حيث يشارك الأوروبيون فى معارك ليست معاركهم، جعلتهم يحيدون عن الأزمة الحقيقية التى تمر بها بلادهم، وهى أزمة صعود اليمين بكل أشكاله، والتى جعلت أوروبا قارة تعوم على بئر من المتطرفين.

 

Rochen Web Hosting