رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

وثيقة ملكية الدولة.. برنامج خصخصة أم بداية إصلاح؟

قسم : مقالات
الخميس, 05 يناير 2023 11:56

الخميس الماضى وافق رئيس الجمهورية «وثيقة ملكية الدولة» التى تحدد دور الدولة فى النشاط الاقتصادى.

 

وأصل الموضوع أن تدخل الدولة فى الاقتصاد كان مثارًا لتحفظات المستثمرين والمعلقين والجهات الدولية المانحة، ما دعا الحكومة للاستجابة وإطلاق مسودة كاملة للوثيقة فى جلسة موسعة مع ممثلى قطاع الأعمال منتصف مايو الماضى، داعية لحوار مجتمعى حولها لمدة ثلاثة أشهر. وقد امتدت هذه الفترة أطول مما كان مقدرًا- لمدة ثمانية أشهر- حتى أحالتها الحكومة إلى رئاسة الجمهورية الأسبوع الماضى، فقام السيد الرئيس بإصدارها يوم الخميس.

الوثيقة تم تقديمها إعلاميًا- وبالتالى تم استقبالها من الرأى العام- باعتبارها الإعلان الذى يحدد الصناعات والمجالات التى سوف تتخارج منها الدولة خلال السنوات القليلة المقبلة.

ولكن فى تقديرى أن هذه قراءة سيئة وقاصرة للوثيقة لأنها بذلك تجعلها مجرد برنامج جديد للخصخصة، يُضاف إلى برامج عديدة تعاقبت علينا خلال الأربعين عامًا الماضية، ويجعل نجاحها مرهونًا فقط بما تُحصّله الدولة من أموال نتيجة بيع الشركات والأصول التى سيجرى التخارج منها.

أقول إن هذه قراءة سيئة وقاصرة للوثيقة لأن ما يحتاجه اقتصادنا القومى ليس مجرد تخارج الدولة من مجال أو أكثر، ولا بيع بعض الشركات والأصول، بل وضع إطار سليم للتعاون بين الدولة والقطاع الخاص وضبط العلاقة بينهما لتكون صحية ومؤدية لتنمية حقيقية، وهذا موضوع أكبر بكثير وأهم من تنفيذ برنامج تقليدى للخصخصة.

القضية ليست تخارج الدولة.. لماذا؟ لأن التخارج التام للدولة من النشاط الاقتصادى ليس فرضًا واقعيًا ولا حتى مطلوبًا. بل الطبيعى أن تبقى الدولة فاعلة ومتدخلة على الأقل فى أربعة أنواع من الأنشطة الاقتصادية: المجالات العسكرية والاستراتيجية، وبعض أنواع البنية التحتية التى لا تناسب إمكانات ولا طبيعة القطاع الخاص، والخدمات والأنشطة الاجتماعية التى لا تدر ربحًا مناسبًا، والأنشطة الجديدة أو ذات المخاطر العالية التى تقوم فيها الدولة بدور المحفز للاستثمار.

المطلوب إذن ليس تخارجًا كاملًا بل تنظيم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى من خلال تخارج الدولة بالفعل من الأنشطة غير المناسبة لها، ثم تحديد المجالات التى ستتركها الدولة مستقبلًا للقطاع الخاص. ثم وضع القواعد التى تُطمئن القطاع الخاص إلى أن قدرًا من المنافسة المتكافئة والعادلة سيتم احترامه فى المجالات التى سيظل فيها الطرفان العام والخاص متقاطعين.

لهذا فإن اعتبار أن وثيقة ملكية الدولة مجرد برنامج للخصخصة، والهدف منها مجرد تحصيل أموال تحتاجها الخزانة العامة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، يهدر ما فى الوثيقة من مضمون أهم من ذلك بكثير بشأن ضبط العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص.

ما تقدم ليس من باب تجميل الوثيقة أو جعلها أكثر قيمة مما هى فى الواقع، بل لأن مصلحة اقتصادنا القومى تقتضى أن نتمسك باعتبارها بداية إصلاح اقتصادى شامل يتجاوز هدف تحقيق حصيلة مالية من بيع أصول الدولة إلى إطلاق طاقات الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير.

أما إذا سارعنا بالحكم على هذه الوثيقة بأنها بيان حكومى لن يتم تنفيذه، أو مجرد برنامج لتخارج الدولة من بعض الشركات والأصول، وتنازلنا عن الطموح بأن تكون بداية إصلاح أكبر وأشمل، فسنكون قد ساهمنا- غير عامدين- فى أن يكون أثرها محدودًا ومقصورًا على البيع فقط.

الوثيقة صدرت، وصدورها خطوة إيجابية، والمهم أن نبنى عليها ونتمسك بتطبيقها كاملة، ونعمل على مراقبة تنفيذها، وعلى تقييم ما تحقق منها، كى لا نفوت فرصة إصلاح محتمل أو بداية تغيير فى المسار الاقتصادى.

 

Rochen Web Hosting